تدخلنا دار الخلود، وأشهد أن سيدنا محمدا ورسوله، صاحب المقام المحموم، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وقوله: دار الخلود) هي الجنة.
(وقوله: المقام المحمود) هو مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء، يحمده فيه الأولون والآخرون.
(وقوله: صلى الله الخ) أي اللهم صل عليه وسلم.
وأتى بالفعلين بصيغة الماضي رجاء تحقق حصول المسؤول، وإنما صلى وسلم المؤلف في أول كتابه امتثالا لأمر الله تعالى في قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا صلوا) * الآية، ولما قام على ذلك عقلا ونقلا من البرهان.
أما نقلا: فقوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) *.
أي لا أذكر إلا وتذكر معي.
وأما عقلا: فلأن المصطفى هو الذي علمنا شكر المنعم، وكان سببا في كمال هذا النوع الإنساني، فاستوجب قرن شكره بشكر المنعم، عملا بالحديث القدسي: عبدي لم تشكرني، إذا لم تشكر من أجريت النعمة على يديه.
ولا شك بأنه - صلى الله عليه وسلم - الواسطة العظمى لنا في كل نعمة، بل هو أصل الإيجاد لكل مخلوق، كما قال ذو العزة والجلال: لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك.
واعلم أنه جاء في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب.
وقوله عليه السلام: من سره أن يلقى الله وهو عنه راض، فليكثر من الصلاة على.
وقوله عليه السلام: من أكثر من الصلاة على في حياته أمر الله جميع مخلوقاته أن يستغفروا له بعد موته.
وقال عليه السلام: أكثروا من الصلاة على، فإنها نور في القبر، ونور على الصراط، ونور في الجنة.
وقال عليه السلام: أكثروا من الصلاة على فإنها تطفئ عضب الجبار، وتوهن كيد الشيطان.
وقال عليه السلام: أكثركم صلاة علي أكثركم أزواجا في الجنة.
وفي حديث مرفوع: ما جلس قوم فتفرقوا عن غير الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا تفرقوا عن أنتن من جيفة حمار.
قال ابن الجوزي في البستان: فإذا كان المجلس الذي لا يصلى فيه يكون بهذه الحالة فلا غرو أن يتفرق المصلون عليه من مجلسهم عن أطيب من خزانة العطار، وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - كان أطيب الطيبين وأطهر الطاهرين، وكان إذا تكلم امتلأ المجلس بأطيب من ريح المسك.
وكذلك مجلس يذكر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - تنمو منه رائحة طيبة تخترق السموات السبع حتى تنتهي إلى العرش، ويجد كل من خلقه الله ريحها في الأرض، غير الإنس والجن، فإنهم لو وجدوا تلك الرائحة لاشتغل كل واحد منهم بلذتها عن معيشته.
ولا يجد تلك الرائحة ملك أو خلق الله تعالى إلا استغفر لأهل المجلس، ويكتب لهم بعدد هذا الخلق كلهم حسنات، ويرفع لهم بعددهم درجات، سواء كان في المجلس واحد أو مائة ألف، كل واحد يأخذ من هذا الأجر مثل هذا العدد، وما عند الله أكثر.
وللصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - فوائد لا تحصى، منها: أنها تجلو القلب من الظلمة، وتغني عن الشيخ، وتكون سببا للوصول، وتكثر الرزق، وأن من أكثر منها حرم الله جسده على النار.
وينبغي للشخص إذا صلى عليه أن يكون بأكمل
الحالات، متطهرا متوضئا مستقبل القبلة، متفكرا في ذاته السنية، لأجل بلوغ النوال والأمنية، وأن يرتل الحروف، وأن لا يعجل في الكلمات، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: إذا صليتم علي فأحسنوا الصلاة علي، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض علي.
وقولوا: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين سيدنا محمد عبدك ورسولك، إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرحمة.
اللهم ابعثه المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون.
رواه الديلمي موقوفا عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(قوله: وعلى آله) أتى بذلك امتثالا لخبر: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آله.
(وقوله: وأصحابه) وجه ندب الإتيان بهم في نحو هذا المقام إلحاقهم بالآل، بقياس الأولى، لأنهم أفضل من الآل الذين لا صحبة لهم.
والنظر لما فيهم من البضعة الكريمة إنما يقتضي الشرف من حيث الذات، وكلامنا في أكثرية العلوم والمعارف هذا بناء على ما هو المشهور