تدعيه على هذا الثوب، فله حكم البيع، وعلى بعض المدعى إبراء إن كان دينا، فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك: لم يضر، ويلغى الصلح حيث لا حجة للمدعي مع الانكار، أو السكوت من المدعى عليه، فلا يصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بيعا (واعلم) أن الصلح إما أن يكون عن عين، وإما أن يكون عن دين.
وكل منهما: إما أن يجري من المدعى به على غيره، ويسمى صلح المعاوضة، أو على بعضه، ويسمى صلح الحطيطة، فالأقسام أربعة.
واقتصر المؤلف على القسم الأول من قسمي العين، وترك الثاني، وهو الصلح منها على بعضها، وذكر الثاني من قسمي الدين، وترك الأول، وهو الصلح منه على غيره، ثم إنه إما أن يجري بين متداعبين، وهو ما ذكره المؤلف، وإما أن يجري بين مدع وأجنبي، وهذا لم يذكره.
وحاصله أن الأجنبي إن صالح عن عين للمدعى عليه، فإن لم يكن وكيلا عنه لم يصح صلحه، لأنه فضولي.
وإن كان وكيلا عنه، فإن صرح بالوكالة، بأن قال: وكلني في الصلح معك وهو مقر لك بها، أو وهي لك، صح، ووقع للموكل، فإن لم يصرح بالوكالة، أو قال وهو مبطل في إنكاره، أو لم يزد على قوله وكلني الغريم في الصلح معك: لم يصح.
وإن صالح عنها لنفسه بعين ماله، أو بدين في ذمته، فإن قال وهو مقر لك، أو وهي لك: صح له، وإن قال وهو مبطل لك فشراء شئ مغصوب، فإن قدر، ولو في ظنه، على انتزاعه ممن هو تحت يده: صح، وإلا فلا.
وإن قال وهو محق أو لا أعلم حاله أو لم يزد على قوله صالحني بكذا: لغا الصلح، هذا كله إن صالح عن عين، فإن عن دين بغير دين بغير دين ثابت من قبل، فإن قال هو مقر لك، أو وهو لك، وهو مبطل في إنكاره: صح للمدعى عليه فيما إذا صالح له، أو لنفسه فيما إذا صالح لها.
فإن صالح عنه بدين ثابت من قبل الصلح: لم يصح (قوله: فله حكم البيع) وهو مفرد مضاف، فيعم، فكأنه قال: فله أحكام البيع، أي من الشفعة، والرد بالعيب، وخيار المجلس والشرط، ومنع التصرف قبل القبض، وإنما جرت عليه أحكام البيع، لأن الصلح المذكور بيع للعين المدعاة من المدعي للمدعى عليه بلفظ الصلح.
(قوله: وعلى بعض المدعي الخ) معطوف على شئ غير المدعي: أي وهو على بعض المدعي إبراء: أي كصالحتك عن الألف التي لي عليك على خمسمائة.
(وقوله: إن كان) أي المدعى به دينا، فإن كان عينا وجرى الصلح على بعضها، فهبة منها للباقي لذي اليد، فتثبت فيه أحكامها، من إذن في قبض، ومضى إمكانه، فيصح بلفظ الصلح: كصالحتك من الدار على بعضها، كما يصح بلفظ الهبة، بأن يقول وهبتك نصفها، وصالحتك على نصفها.
ولا يصح بلفظ البيع: بأن يقول بعتك نصفها، وصالحتك على نصفها - لعدم الثمن - لأن العين كلها ملك المقر له، فإذا باعها
ببعضها: فقد باع ملكه بملكه، والشئ ببعضه - وهو محال - (قوله: فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك لم يضر) أي لا يشترط في الصلح المذكور أن يكون بلفظ الإبراء، بل يصح بلفظ الصلح، كالصيغة المتقدمة، ولفظ الإبراء والإسقاط ونحوهما: كالحط والوضع.
ثم إنه لا يفتقر إلى القبول إلا إن جرى بلفظ الصلح، كصالحتك على نصفه.
فيفتقر إليه، لأن اللفظ يقتضيه، ورعاية اللفظ في العقود: أكثر من رعاية معناها.
(قوله: ويلغو الصلح الخ) أي كأن أدعى عليه دارا فأنكر أو سكت، ثم تصالحا على بعضها أو غيرها، فالصلح باطل، لأنه على إنكار أو سكوت.
وهذا محترز قوله المار مع الإقرار.
وقد يصح الصلح مع عدم الإقرار في مسائل، منها اصطلاح الورثة فيما وقف بينهم، كما إذا مات الميت عن ابن وولد خنثى مسألة الذكورة من اثنين ومسألة الأنوثة من ثلاثة والجامعة ستة فيعطى الابن ثلاثة والخنثى اثنين، ويوقف واحد إلى الإتضاح، أو الصلح: كأن يصطلحا على أن يكون لكل منهما نصف القيراط.
ومنها ما لو أسلم الزوج على أكثر من أربع، ومات قبل الإختيار، فيوقف الميراث بينهن حتى يصطلحن، وكذا إذا طلق إحدى زوجتيه، ومات قبل البيان فيما إذا كانت معينة في نيته، أو قبل التعيين فيما إذا كانت مبهمة عنده.
ومنها ما لو تداعيا وديعة عند آخر، فقال لا أعلم لأيكما هي؟ فيصطلحان على أنها بينهما على تفاضل أو تساو.
(قوله: حيث لا حجة للمدعي) الظرف متعلق بيلغو: أي يلغو حيث لا حجة موجودة للمدعي.
أما إذا كانت له حجة، وهي البينة من شاهدين، أو رجل وامرأتين، أو يمين وشاهد، فيصح، لكن بعد تعديلها، وإن لم يحكم بالملك على الأوجه.
وقال سم: وصورة المسألة أنه أقام البينة ثم صالح.
ويبقى ما لو صالح ثم أقامها.
وفي شرح العباب: ولو أقيمت بينة بعد الصلح على الإنكار بأنه ملك وقته، فهل يلحق بالإقرار؟ قال الجوهري: يلحق به، بل أولى، لأنه يمكن الطعن فيها، لا فيه.
اه.
(قوله: فلا يصح الصلح الخ) هو