الحمد لله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الوجود، المستمد مني كل موجود.
وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: البسملة فاتحة كل كتاب وفي رواية: بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب.
فإن قيل: إن هذه الرواية والتي قبلها يفهمان أن كل كتاب أنزل مشتمل على معاني القرآن، لأنه مشتمل على البسملة المشتملة على معاني الفاتحة المشتملة على معاني القرآن، والرواية التي قبلهما تفهم خلاف ذلك، بل تفهم أنها لم توجد في غير القرآن رأسا.
فالجواب أن البسملة المفتتح بها كل الكتب المنزلة لم تكن بهذا اللفظ العربي على هذا الترتيب، والمفتتح بها القرآن المجيد، بهذا اللفظ العربي على هذا الترتيب، ويجوز أن يكون لكونها بهذا اللفظ العربي.
وهذا الترتيب لها دخل في اشتمالها على معاني القرآن، فلا يلزم حينئذ من اشتمال الكتب عليها بغير هذا اللفظ وهذا الترتيب، اشتمال كل كتاب على معاني القرآن.
ولا يرد ما وقع في سورة النمل عن سيدنا سليمان في كتابه لبلقيس من أنها بهذا اللفظ العربي وهذا الترتيب، لأن ذلك كان ترجمة عما في كتابه لها.
ومما يتعلق بالبسملة من المعاني الدقيقة ما قيل: إن الباء بهاء الله، والسين سناء الله، والميم مجد الله.
وقيل: الباء بكاء التائبين، والسين سهو الغافلين، والميم مغفرته للمذنبين.
وقال بعض الصوفية: الله لأهل الصفاء، الرحمن لأهل الوفاء، الرحيم لأهل الجفاء.
والحكمة في أن الله سبحانه وتعالى جعل افتتاح البسملة بالباء دون غيرها من الحروف، وأسقط الألف من اسم، وجعل الباء في مكانها، أن الباء حرف شفوي تنفتح به الشفة ما لا تنفتح بغيره، ولذلك كان أول انفتاح فم الذرة الإنسانية في عهد ألست بربكم بالباء في جواب بلى، وأنها مكسورة أبدا.
فلما كانت فيها الكسرة، والانكسار في الصورة والمعنى، وجدت شرف العندية من الله تعالى، كما قال: أنا
عند المنكسرة قلوبهم بخلاف الألف، فإن فيها ترفعا وتكبرا وتطاولا، فلذلك أسقطت.
وخصت التسمية بلفظ الجلالة ولفظ الرحمن، ولفظ الرحيم، ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان به في جميع الأمور هو المعبود الحقيقي، الذي هو مولى النعم كلها، عاجلها وآجلها، جليلها وحقيرها.
فيتوجه العارف بجملته حرصا ومحبة إلى جناب القدس، ويتمسك بحبل التوفيق، ويشتغل سره بذكره والاستمداد به عن غيره.
والكلام على البسملة من الأسرار والعجائب واللطائف، لا يدخل تحت حصر.
وفي هذا القدر كفاية، وبالله التوفيق.
(قوله: الحمد لله) آثره على الشكر اقتداء بالكتاب العزيز، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يشكر الله من لم يحمده.
والحمد معناه اللغوي الثنا بالجميل لأجل جميل اختياري، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا.
ومعناه العرفي فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث أنه منعم على الحامد أو غيره.
والشكر لغة: هو الحمد العرفي، وعرفا: صرف العبد جيمع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله، أي أن يصرف جميع الأعضاء والمعاني التي أنعم الله عليه بها في الطاعات التي طلب استعمالها فيها، فإن استعملها في أوقات مختلفة سمى شاكرا، أو في وقت واحد سمي شكورا، وهو قليل، لقوله تعالى: * (وقليل من عبادي الشكور) *.
وصور ذلك العلامة الشبراملسي بمن حمل جنازة متفكرا في مصنوعات الله، ناظرا لما بين يديه، لئلا يزل بالميت ماشيا برجليه إلى القبر، شاغلا لسانه بالذكر، وأذنيه باستماع ما فيه ثواب، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأقسام الحمد أربعة: حمدان قديمان، وهما حمد الله نفسه، نحو الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وحمده بعض عباده، كقوله تعالى في أيوب: * (نعم العبد إنه أواب) *.
وحمدان حادثان، وهما حمدنا له تعالى، وحمد بعضنا لبعض.
وينقسم الحمد إلى: واجب، كالحمد في الصلاة وفي خطبة الجمعة وإلى مندوب، كالحمد في خطبة النكاح، وفي ابتداء الدعاء، وبعد الأكل