ويسن التهجد إجماعا، وهو التنفل ليلا بعد النوم.
قال الله تعالى: * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * وورد في فضله أحاديث كثيرة، وكره لمعتاده تركه بلا ضرورة.
ويتأكد أن لا يخل بصلاة في الليل بعد النوم ولو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المسد كما اعتاده أهل مصر.
اه.
ومعلوم أن محل ذلك كله إذا كان يحفظ القرآن كله أو يحفظ بعضه.
ويقرأ على ترتيب المصحف مع التوالي، فإن لم يحفظ إلا سورة واحدة فقط، الإخلاص أو غيرها، أتى بما حفظه ويبعد في حقه أن يقال أنه خلاف الأفضل والأولى، فتدبر.
(قوله: ويسن التهجد) هو لغة: رفع النوم بالتكلف.
واصطلاحا: ما ذكره الشارح.
(قوله: فتهجد به نافلة لك) قال بعضهم: الباء للظرفية، أي فتهجد فيه.
وفي التفسير: فتهجد به، أي صل به، أي بالقرآن، أي اقرأه في صلاتك فريضة نافلة لك، أي زائدة على الصلوات الخمس.
كما في الجلال.
فنافلة صفة
لموصوف محذوف واقع مفعولا لتهجد وهو فريضة، لأن التهجد كان واجبا في صدر الإسلام.
اه بجيرمي.
(قوله: وورد في فضله) أي التهجد.
(وقوله: أحاديث كثيرة)، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل.
وقوله عليه الصلاة والسلام: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة لكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: يحشر الناس في صعيد واحد، فينادي مناد: أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون - وهم قليل - فيدخلون الجنة بغير حساب.
وروي أن الجنيد رؤي في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك فقال: طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها عند السحر.
ومعنى طاحت تلك الإشارات: أن إشاراته التي يشير بها للناس هلكت فلم يجد ثوابها.
ومعنى غابت تلك العبارات: أن عباراته التي يعبر بها للمريدين تلاشت واضمحلت فلم يجد ثوابها أيضا.
ومعنى فنيت تلك العلوم: أن العلوم التي يعلمها للتلامذة انعدمت فلم يجد ثوابها أيضا.
ومعنى نفدت تلك الرسوم: أن الرسوم التي يرسمها للمبتدئين فرغت فلم يجد لها ثوابها.
ومعنى وما نفعنا إلخ: أنه وجد ثوابها.
والمقصود من ذلك أن هذه الأمور لم يجد لها ثوابا لاقترانها في الغالب بالرياء ونحوه، إلا الركيعات المذكورة للإخلاص فيها.
وإنما قال رضي الله عنه ذلك حثا على التهجد وبيانا لشرفه، وإلا فيبعد على مثله اقتران عمله برياء أو نحوه مع كونه سيد الصوفية.
قال القطب الغوث الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه: واعلم أن قيام الليل من أثقل شئ على النفس، ولا سيما بعد النوم.
وإنما يصير خفيفا بالاعتياد والمداومة والصبر على المشقة والمجاهدة في أول الأمر، ثم بعد ذلك ينفتح باب الأنس بالله تعالى وحلاوة المناجاة له ولذة الخلو به عزوجل، وعند ذلك لا يشبع الإنسان من القيام فضلا عن أن يستثقله أو يكسل عنه.
كما وقع ذلك للصالحين من عباد الله حتى قال قائلهم: إن كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه بالليل إنهم لفي عيش طيب.
وقال آخر: منذ أربعين سنة ما غمني شئ إلا طلوع الفجر.
وقال آخر: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم.
وقال آخر: لولا قيام الليل وملاقاة الإخوان في الله ما أحببت البقاء في الدنيا.
وأخبارهم في ذلك كثيرة مشهورة.
وقد صلى خلائق منهم الفجر بوضوء العشاء، رضي الله عنهم.
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.
فعليك
رحمك الله بقيام الليل وبالمحافظة عليه وبالاستكثار منه، وكن من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما.
واتصف ببقية أوصافهم التي وصفهم الله بها في هذه الآيات إلى آخرها.
وإن عجزت عن الكثير من القيام بالليل فلا تعجز عن القليل منه، قال الله تعالى: * (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) * أي في القيام من الليل.
وقال عليه السلام: عليكم بقيام الليل ولو ركعة وما أحسن وأجمل الذي يقرأ القرآن