وحشرنا في زمرة المقربين الاخيار الابرار وأسكننا الفردوس من دار القرار، ومن علي في هذا التأليف وغيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وباب كل من داخل الاخرى.
أعاذنا الله والمسلمين منها.
(قوله: وحشرنا في زمرة المقربين) الحشر بمعنى الجمع، وفي بمعنى مع، وزمرة - بضم الزاي - بمعنى جماعة.
ويحتمل أن المراد بالحشر الدخول، وفي باقية على معناها.
وعلى كل فإضافة زمرة لما بعد للبيان.
والمعنى على الأول: وجمعنا مع جماعة هي المقربون من الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين المذكورين في آية: * (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم) * الخ.
وعلى الثاني: أدخلنا فيهم، والمراد جمعنا معهم في دار السلام أو أدخلنا فيهم، وذلك لنستمتع في الجنة برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان مقرهم في الدرجات العلى بالنسبة إلى غيرهم، ولذلك سبب وهو محبتهم واقتفاء آثارهم، لما أخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، والضياء المقدسي في صفة الجنة، وحسنه عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
يا رسول الله: إنك لاحب إلي من نفسي، وأنك لاحب إلي من ولدي، وأني لاكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك.
فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل جبريل بقوله تعالى: * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) *.
وفي رواية: عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: لا شئ إلا أني أحب الله ورسوله.
فقال: أنت مع من أحببت.
قال أنس فأنا أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم.
والمراد بالمعية في الحديث المذكور وفي الآية التردد للزيارة والحضور للتأنس بهم، مع أن مقر كل منهم الدرجات التي أعدها الله لهم، وليس المراد أنهم يكونون في درجة واحدة، لانه يقتضي استواء الفاضل والمفضول في الدرجة، وليس كذلك، بل يكون كل في درجة.
ولكن يتمكن من رؤية غيره والتردد إليه.
اللهم امنحنا حبهم، واحشرنا في زمرتهم آمين.
(وقوله: الاخيار) جميع خير - بشد الياء وتخفيفها - كأموات جمع ميت - مشددا ومخففا -، وهم الذين اختارهم الله واصطفاهم.
(وقوله: الابرار) جمع بر، أو بار من البر وهو الاحسان، يقال بره يبره - بفتح الباء وضمها - فهو بر وبار، وذكر بعضهم أن جمع البار: بررة، وجمع البر أبرار، والمراد بهم الاولياء والعباد والزهاد، وقيل المراد بهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم سموا أبرارا لانهم بروا الآباء والابناء والبنات، كما أن لوالديك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حقا، فالبر بالآباء والامهات الاحسان إليهم وإلانة الجانب لهم، والبر بالابناء والبنات أن لا يفعل فيهم ما يكون العقوق.
(قوله: وأسكننا الفردوس) أي جعل سكنانا الفردوس، وهو أفضل الجنان وأوسعها كما تقدم سببا في أول الكتاب، ولا بد من تقدير مضاف قبل الفردوس: أي قربه أو جواره، لانه خاص بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - كما في شرح منظومة أسماء أهل بدر.
(قوله: من دار القرار) أي دار استقرار المؤمنين وثباتهم، ومن تبعيضية متعلقة بمحذوف حال من الفردوس: أي حال كونه بعض دار القرار الذي هو الجنة، وهو يفيد أنها متعددة: أي تحتها أنواع، وهو الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدم أيضا أول الكتاب، واستدل لذلك بحديث رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الجنان سبع: دار الجلال، ودار السلام، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم.
وذهب بعضهم إلى أنها واحدة، والاسماء كلها صادقة عليها، إذ يصدق عليها جنة عدن أي إقامة، ودار السلام لسلامتهم فيها من كل خوف وحزن، ودار لخلودهم فيها وهكذا، وعليه فمن بيانية، أي الفردوس الذي هو دار القرار.
(قوله: ومن على) يطلق المن على الانعام والاحسان ابتداء من غير حساب، ومنه قوله تعالى: * (لقد
من الله على المؤمنين) * الآية.
ويطلق على تعداد النعم كقولك: فعلت مع فلان كذا وكذا، ومنه قوله تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) *.
وهو حرام إلا من الله والنبي والاصل والشيخ.
والمراد به هنا الأول وإن كان الثاني يصح إطلاقه على الله: أي أنعم علي وأحسن إلي تفضلا منه لا وجوبا عليه.
وفي تعبيره هنا بعلي وتعبيره فيما قبله بنا دليل