عدلا سميعا ولو بالصياح بصيرا، فلا يولي من ليس كذلك ولا أعمى وهو من يرى الشبح ولا يميز الصورة وإن قربت - بخلاف من يميزها إذا قربت بحيث يعرفها ولو بتكلف ومزيد تأمل، وإن عجز عن قراءة المكتوب.
واختير صحة ولاية الاعمى (كافيا) للقيام بمنصب القضاء، فلا يولى مغفل ومختل نظر بكبر أو مرض (مجتهدا) فلا يصح تولية جاهل ومقلد وإن حفظ مذهب إمامه لعجزه عن إدراك غوامضه.
والمجتهد من يعرف بأحكام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سيأتي بيانيا في بابها.
(قوله: بأن يكون مسلما) قال الماوردي: وما جرت به عادة الولاة من نصب رجل من أهل الذمة فتقليد رياسة وزعامة: أي سيادة لا تقليد حكم وقضاء.
اه.
(قوله: مكلفا) أي بالغا عاقلا.
(قوله: حرا) أي كله.
(قوله: ذكرا) أي يقينا.
(قوله: عدلا) العدالة لغة التوسط، وشرعا ملكة في النفس، تمنع من اقتراف الكبائر والرذائل المباحة - كما تقدم.
(قوله: سميعا) إنما اشترط السمع فيه، لان الاصم لا يفرق بين إقرار، وإنكار، وإنشاء، وإخبار.
(وقوله: ولو بالصياح) غاية في كونه سميعا: أي ولو كان لا يسمع إلا بالصياح في أذنيه فإنه يكفي ولا يضر إلا الصمم الشديد، بحيث لا يسمع أصلا.
(قوله: بصيرا) أي ولو بإحدى عينيه، ولو كان يبصر نهارا فقط دون من يبصر ليلا فقط.
قاله الاذرعي.
وخالفه الرملي ومن تبعه فيمن يبصر ليلا فقط، فقال يكفي كونه يبصر ليلا فقط، كما يكفي كونه يبصر نهارا فقط.
فائدة: البصر قوة في العين تدرك به المحسوسات، كما أن البصيرة قوة في القلب تدرك بها المعقولات، فالبصيرة للقلب بمنزلة البصر للعين.
(قوله: فلا يولى من ليس كذلك) أي من ليس مستكملا للشروط المذكورة، بأن يكون كافرا، أو صبيا، أو مجنونا أطبق جنونه أولا، أو رقيقا كله أو بعضه، أو أنثى، أو خنثى، أو فاسقا، أو أصم، أو أعمى، فلا يصح توليتهم لنقصهم.
(قوله: ولا أعمى) فيه أنه مندرج في قوله من ليس كذلك فلاي شئ أفرده.
(قوله: وهو من يرى إلخ) عبارة التحفة: فلا يولى أعمى ومن يرى الشبح الخ.
اه.
فلعل لفظة هو: زائدة من النساخ.
(قوله: الشبح) أي الجسم.
(وقوله: ولا يميز الصورة) أي ولا يميز صورة ذلك الشبح، هل هي صورة زيد أو عمرو، أو غير ذلك؟ (قوله: وإن
قربت) أي لا يميزها مطلقا مع القرب ومع البعد.
(قوله: بخلاف من يميزها إذا قربت) أي الصورة فإنه يصح توليته.
(قوله: بحيث يعرفها) تصوير لتمييزه إياها.
والمراد بحيث يعرف أنها صورة زيد مثلا.
(قوله: ولو بتكلف إلخ) أي ولو كانت معرفتها بتكلف ومزيد تأمل، فإنه يصح توليته.
(قوله: وإن عجز عن قراءة المكتوب) أي فإنه يصح توليته.
(قوله: واختير صحة ولاية الاعمى) أي واختار بعضهم صحة ولاية الاعمى مستدلا بأنه - صلى الله عليه وسلم -: استخلف ابن أم مكتوم على الصلاة وغيرها من أمور المدينة رواه الطبراني.
وأجاب المانعون ولايته باحتمال أنه استخلفه في الامور العامة من الحراسة وما يتعلق بها، لا في خصوص الحكم الذي الكلام فيه.
(قوله: كافيا للقيام بمنصب القضاء) أي بأن يكون ذا يقظة تامة، وقوة على تنفيذ الحق بحيث لا يؤتى من غفلة: أي لا يصاب في الحكم، بأن يحكم بخلاف الحق من أجل غفلته، ولا يخدع من غرة: أي لا يخدع عن الحق بسبب غرور شخص له.
قال في المغني: وفسر بعضهم الكفاية اللائقة بالقضاء، بأن يكون فيه قوة على تنفيذ الحق بنفسه، فلا يكون ضعيف النفس جبانا.
فإن كثيرا من الناس يكون عالما دينا، ونفسه ضعيفة عن التنفيذ والالزام والسطوة، فيطمع في جانبه بسبب ذلك.
اه.
(قوله: فلا يولى مغفل) هو الذي لا يضبط الامور بأن يكون مختل النظر والفكر، لكبر أو مرض أو غير ذلك.
(قوله: ومختل نظر) أي فكر، وعطفه على ما قبله من عطف التفسير.
(وقوله: بكبر أو مرض) الباء سببية متعلق بكل من مغفل ومختل نظر.
(قوله: مجتهدا) أي اجتهادا مطلقا لأنه المنصرف إليه اللفظ عند الاطلاق، وبدليل بيانه الآتي، والاجتهاد في الاصل بدل المجهود في طلب المقصود، ويرادفه التحري والتوخي، ثم استعمل في استنباط الاحكام من الكتاب والسنة.
وخرج به مجتهد المذهب، وهو من يستنبط الاحكام من قواعد إمامه كالمزني، ومجتهد الفتوى، وهو من يقدر على الترجيح في الاقوال كالرافعي والنووي، والمقلد الصرف وهو الذي لم يتأهل للنظر في قواعد إمامه والترجيح بين الاقوال.
(قوله: فلا يصح تولية جاهل) أي بالاحكام الشرعية.
(قوله: ومقلد) أي ولا يصح تولية مقلد لامام من الأئمة الأربعة.
(قوله: وإن حفظ إلخ)