زارعة الارض وغرسها ولا يكره عمارة لحاجة وإن طالت، والاخبار الدالة على منع ما زاد على سبعة أذرع محمولة على من فعل ذلك للخيلاء والتفاخر على الناس.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ترك زراعة الارض وغرسها) أي فلا يكره (قوله: ولا يكره عمارة لحاجة وإن طالت) قال ع ش: بل قد تجب العمارة إن
ترتب على تركها مفسدة بنحو اطلاع الفسقة على حريمه مثلا.
قال في النهاية: والزيادة على العمارة خلاف الاولى وربما قيل بكراهتها، وفي صحيح ابن حبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب وفي أبي داود كل ما أنفقه ابن آدم في التراب فهو عليه وبال يوم القيامة إلا ما أي إلا ما لا بد منه: أي ما لم ينفق بالانفاق في البناء به مقصدا صالحا كما هو معلوم.
اه.
وقوله مقصدا صالحا: ومنه أن ينتفع بغلته بصرفها في وجوه القرب أو على عياله.
اه.
ع ش (قوله: والاخبار الدالة إلخ) قال في الزواجر: أخرج ابن أبي الدنيا عن عمار بن ياسر قال: إذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا أفسق الفاسقين: إلى أين؟ وأبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه فرأى قبة مشرفة فقال ما هذه؟ قال أصحابه هذه لفلان، رجل من الانصار، فسكت وحملها في نفسه حتى إذ جاء صاحبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سلم عليه الناس، فأعرض عنه، صنع ذلك مرارا، حتى عرف الرجل الغضب في وجهه والاعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه قال: والله إني لانكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا خرج فرأى قبتك، فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالارض، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فلم يرها.
قال ما فعلت القبة؟ قالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما؟ أي إلا مالا بد منه.
اه.
ومن الاخبار ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يبني بيتا ويقول سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، وعن ميسرة قال: ما بنى عيسى عليه السلام بنيانا قط، فقيل له ألا تبني بيتا؟ فقال لا أترك بعدي شيئا من الدنيا أذكر به.
وعن ابن مطيع أنه نظر يوما إلى داره فأعجبه حسنها فبكى، ثم قال: والله لولا الموت لكنت بك مسرورا، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا، ثم بكى حتى ارتفع صوته (قوله: محمولة) خبر الاخبار أي ما فيها (قوله: على من فعل ذلك) أي ما زاد على سبعة أذرع وقوله للخيلاء: اللام تعليلية متعلقة بفعل: أي فعله لاجل الخيلاء والتكبر على الناس، أما إذا كان لا لأجل ذلك فلا يمنع من الزيادة المذكورة (قوله: والله سبحانه وتعالى أعلم) أي من كل ذي علم، قال الله تعالى: * (وفوق كل ذي علم عليم) * أي حتى ينتهي الامر إلى الله سبحانه وتعالى فهو أعلم من كل ذي علم، وكأن المصنف قصد بذلك التبري من دعوى الاعلمية، ففي باب العلم من صحيح البخاري في قصة موسى مع الخضر مع نبينا وعليهما الصلاة والسلام ما يقتضي طلب ذلك حيث سئل موسى عن أعلم الناس، فقال أنا، فعتب الله عليه: إذ لم يرد العلم إليه، أي كأن يقول: الله أعلم، وفي القرآن العظيم: الله أعلم حيث يجعل رسالته ويسن لمن سئل عما لا يعلم: أن يقول: الله ورسوله أعلم.
خاتمة: نسأل الله حسن الختام ويكره للانسان أن يدعو على نفسه أو على ولده أو ماله أو خدمه.
لخبر مسلم في آخر كتابه وأبي داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسئل فيها عطاء فيستجيب له وأما خبر إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه فضعيف.
والله سبحانه وتعالى أعلم.