فصل في بيان أحكام الوديعة صح إيداع محترم بأودعتك هذا أو استحفظتكه، وبخذه مع نية.
وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها، وكره على غير واثق بأمانته.
ويضمن وديع بإيداع غيره - ولو قاضيا - بلا إذن من المالك، لا إن كان لعذر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في بيان أحكام الوديعة أي في بيان أحكام الوديعة.
وهي مناسبة للفرائض لأن مال الميت بلا وارث يصير كالوديعة في بيت مال المسلمين، والأصل فيها قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (?) أي يأمر كل من كان عنده أمانة أن
يردها إلى صاحبها إذا طلبها، وهي وإن نزلت في مفتاح الكعبة فهي عامة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وخبر أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك وروى البيهقي عن عمر رضي الله عنه أنه قال وهو يخطب لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل وهي لغة ما وضع عند غير مالكه لحفظه، من ودع يدع، إذا سكن، لأنها ساكنة عند الوديع.
وقيل من الدعة أي الراحة لأنها تحت راحته ومراعاته.
وشرعا العقد المقتضي للاستحفاظ أو العين المستحفظة، فهي حقيقة فيهما، ثم عقدها في الحقيقة توكيل من جهة المودع، وتوكل من جهة الوديع في حفظ مال أو اختصاص كنجس منتفع به، فخرجت اللقطة والأمانة الشرعية، كأن طير نحو ريح شيئا إليه أو إلى محله وعلم به.
وأركانها بمعنى العقد أربعة: وديعة بمعنى العين المودوعة، وشرط فيها كونه محترمة وإن لم تكن متمولة ولو نجسة نحو حبة بر وكلب ينفع، بخلاف غير المحترمة نحو كلب لا ينفع وآله لهو.
ومودع، بكسر الدال، ومودع بفتحها، وإن شئت قلت ووديع، وشرط فيهما ما مر في موكل ووكيل، وهو إطلاق تصرف لأن الإيداع استنابة في الحفظ.
فلو أودع ناقص نحو صبي ناقصا مثله أو كاملا ضمن كل منهما ما أخذه منه لأن الإيداع باطل ولو أودع كامل ناقصا لم يضمن إلا بإتلافه لأنه لم يسلطه على إتلافه، ولا يضمن بغير الإتلاف ولو بالتفريط لتقصيره بالإيداع عنده.
وبقيت صورة رابعة وهي أن يودع كامل كاملا ولا ضمان حينئذ إلا بالتفريط، وهذه الصورة هي مقصود الباب.
وصيغة، وشرط فيها ما مر في الوكالة، وهو اللفظ من أحد الجانبين، وعدم الرد من الآخر حتى لو قال الوديع أودعنيها فدفعها له ساكتا صح.
والإيجاب إما صريح: كأودعتك هذا أو استحفظتك، أو كناية مع النية: كخذه (قوله: صح إيداع محترم) أي وضع شئ محترم ولو اختصاصا، أما غيره، ككلب لا ينفع، وآله لهو، فلا يصح إيداعهما، كما تقدم (قوله: بأودعتك الخ) متعلق بإيداع، وهو بيان للصيغة.
والمثالان الأولان للإيجاب الصريح، والثالث للكناية، كما تقدم أيضا (قوله: وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها) وذلك لأنه يعرضها للتلف، قال في المغني: والإيداع صحيح مع الحرمة وأثر التحريم مقصور على الإسم.
اه.
(قوله: وكره) أي أخذ الوديعة.
وقوله على غير واثق بأمانته، أي على غير من يثق بأمانة نفسه.
(والحاصل) إن قدر على حفظها ووثق بنفسه حالا ومآلا ولم تتعين عليه بأن لم يوجد غيره استحب له أخذها، فإن عجز عنه حرم أو لم يثق بأمانة نفسه كره له إن لم يعلم به المالك في الصورتين، فإن علم به فلا حرمة في الصورة الأولى، ولا كراهة في الصورة الثانية ويكون مباحا، أو تعين عليه بأن لم يوجد غيره وجب.
فتعتريها الأحكام الخمسة (قوله:
ويضمن وديع الخ) شروع في ذكر أسباب تعرض للوديعة موجبة للضمان، وإلا فهي أصلها الأمانة بمعنى أنها متأصلة فيها، لا تبع، كالرهن، لأن الله تعالى سماها أمانة بقوله: * (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * (?) وعبارة المنهج وأصلها، الأمانة