بلغت؟ اللهم فاشهد، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب."

وقد سمع مرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا ذر الغفاري يحتد على بلال وهو يحاوره ويقول له: يابن السوداء، فظهرت آثار الغضب الشديد على وجه الرسول، واتجه بالخطاب إلى أبي ذر وانتهره قائلًا: "إنك امرؤ فيك جاهلية، كلكم بنو آدم طف الصاع 1 , ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو عمل صالح" فوضع أبو ذر خده على الأرض وأقسم على بلال أن يطأه بحذائه حتى يغفر الله له زلته هذه، ويكفر عنه ما بدر منه من خلق الجاهلية2.

يذكر الدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله- أنه لما توغل المسلمون في مصر فاتحين حتى وقفوا أمام حصن نابليون، رغب المقوقس في المفاوضة مع المسلمين، فأرسل إليهم وفدًا ليعلم ما يريدون، ثم طلب منهم أن يرسلوا إليه وفدًا، فأرسل إليه عمرو بن العاص عشرة نفر فيهم "عبادة بن الصامت" وكان عبادة أسود شديد السواد طويلًا، وأمره عمرو أن يكون هو الذي يتولى الكلام، فلما وصلوا إلى المقوقس تقدمهم عبادة بن الصامت، فهابه المقوقس لسواده، وقال لهم: نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني، فقال رجال الوفد جميعًا: إن هذا الأسود أفضلنا رأيًا وعلمًا وهو خيرنا والمقدم علينا وإنما نرجع جميعًا إلى قوله ورأيه وقد أمره الأمير دوننا بما أمره. وأمرنا ألا نخالف رأيه وقوله، فقال لهم: وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم، فقالوا: كلا إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعًا وأفضلنا سابقة وعقلًا ورأيًا، وليس ينكر السواد فينا، فقال المقوقس لعبادة: تقدم يا أسود وكلمني برفق فإني أهاب سوادك، وإن اشتد كلامك علي ازددت لك هيبة. فقال عبادة، حين رأى فزع المقوقس من السواد: إن في جيشنا ألف أسود هم أشد سوادًا مني3.

وهكذا حين كان الناس يرون السواد منقصة، ويرون الأسود غير أهل لأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015