تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} 1 , وقوله تبارك وتعالى: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} 2.
الصورة الثالثة: أن يستدل بالسنة على ناسخ القرآن ومنسوخه، وهذا على مذهب الإمام الشافعي -رحمه الله- الذي لا يقول نسخ القرآن بالسنة لقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 3, فإنَّ فِعْلَ "نأت" يدل على أن الآتي بالخبر أو المثل هو الله تعالى، وذلك لا يكون إلا إذا كان الناسخ هو القرآن، وأن كلمتي"بخير أو مثلها" تقتضيان كون البدل خيرًا من الآية المنسوخة أو مثلًا لها، والسنة ليست كذلك، ولكن السنة هي التي تبين نسخ القرآن للقرآن، مثال ذلك قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَاحَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} 4.
فهذه الآية منسوخة بآيات المواريث غير أن معرفة هذا النسخ كان بالسنة. وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "لاوصية لوارث" 5.
وقد خالف في ذلك جمهور العلماء، ومن الشافعية البيضاوي والأسنوي حيث قرروا أن السنة قد تأتي ناسخة لبعض آيات من القرآن الكريم ومثلوا له بحديث: "لا وصية لوارث" فإنه نسخ حكم آية الوصية: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَاحَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ} الآية. وليس الناسخ هو آية المواريث إذ لا تنافي بينهما وبين آية الوصية للأقربين، فإن الأولى في ثلثي المال والوصية تنفذ في الثلث.
ويمكن القول: إن السلف كانوا يطلقون النسخ على كل من التخصيص والنسخ، فليس بلازم أن يكون مراد الشافعي النسخ الذي هو الرفع والإزالة،