30

إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [2 \ 111] ، فَإِنَّهُ نَفَى هَذَا النَّفْيَ بِقَوْلِهِ - جَلَّ وَعَلَا -: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ الْآيَةَ [2 \ 112] ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِاسْتِفْهَامٍ مُقْتَرِنٍ بِنَفْيٍ خَاصَّةً ; كَقَوْلِهِ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [7 \ 172] ، وَقَوْلِهِ: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى [36 \ 81] ، وَقَوْلِهِ: أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى [40 \ 50] ، وَهَذَا أَيْضًا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الِاسْتِفْهَامُ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِنَفْيٍ فَجَوَابُهُ بِ «، نَعَمْ» لَا بِـ «، بَلَى» ، وَجَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ الْمُقْتَرِنِ بِنَفْيٍ وَ «نَعَمْ» مَسْمُوعٌ غَيْرُ قِيَاسِيٍّ ; كَقَوْلِهِ:

أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو وَإِيَّانَا ... فَذَاكَ لَنَا تَدَانِي

نَعَمْ، وَتَرَى الْهِلَالَ كَمَا أَرَاهُ ... وَيَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلَانِي

فَالْمَحَلُّ لِـ «بَلَى» لَا لِـ «نَعَمْ» فِي هَذَا الْبَيْتِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْآيَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَكْتُمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، كَقَوْلِهِ عَنْهُمْ: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [6 \ 23] ، وَقَوْلِهِ: مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ [16 \ 28] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. مَعَ أَنَّ اللَّهَ صَرَّحَ بِأَنَّهُمْ لَا يَكْتُمُونَ حَدِيثًا فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [4 \ 42] .

فَالْجَوَابُ: هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ: «وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ» ; فَيَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَتَتَكَلَّمُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَالْكَتْمُ بِاعْتِبَارِ النُّطْقِ بِالْجُحُودِ وَبِالْأَلْسِنَةِ، وَعَدَمُ الْكَتْمِ بِاعْتِبَارِ شَهَادَةِ أَعْضَائِهِمْ عَلَيْهِمْ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ الْآيَةَ، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا عَدَدَ أَبْوَابِهَا، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي «سُورَةِ الْحِجْرِ» فِي قَوْلِهِ - جَلَّ وَعَلَا -: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [15 \ 44] ، أَرْجُو اللَّهَ أَنْ يُعِيذَنَا وَإِخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا وَمِنْ جَمِيعِ أَبْوَابِهَا ; إِنَّهُ رَحِيمٌ كَرِيمٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْمُتَّقِينَ إِذَا سُئِلُوا عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالُوا: أَنْزَلَ عَلَيْهِ خَيْرًا ; أَيْ: رَحْمَةً وَهُدًى وَبَرَكَةً لِمَنِ اتَّبَعَهُ وَآمَنَ بِهِ. وَيُفْهَمُ مِنْ صِفَةِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015