مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَا مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ لِقَوْلِهِ: لَحْمًا طَرِيًّا [16 \ 14] ، فَلَا يُقَالُ: يُفْهَمُ مِنَ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ طَرِيًّا أَنَّ الْيَابِسَ كَالْقَدِيدِ مِمَّا فِي الْبَحْرِ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ ; بَلْ يَجُوزُ أَكْلُ الْقَدِيدِ مِمَّا فِي الْبَحْرِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ: أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَوْنَ النَّصِّ مَسُوقًا لِلِامْتِنَانِ ; فَإِنَّهُ إِنَّمَا قَيَّدَ بِالطَّرِيِّ ; لِأَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ غَيْرِهِ فَالِامْتِنَانُ بِهِ أَتَمُّ.
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا صَاحِبُ مَرَاقِي السُّعُود، بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَوَانِعِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ: أَوِ امْتِنَانٌ أَوْ وِفَاقُ الْوَاقِعِ وَالْجَهْلُ وَالتَّأْكِيدُ عِنْدَ السَّامِعِ.
وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ قَوْلُهُ: «أَوِ امْتِنَانٌ» ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا فِي «سُورَةِ الْمَائِدَةِ» .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْمَالِكِيَّةِ قَدْ أَخَذُوا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ لُحُومَ مَا فِي الْبَحْرِ كُلِّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ; فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا فِي الْبَيْعِ، وَلَا بَيْعُ طَرِيِّهَا بِيَابِسِهَا ; لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ.
قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ عَبَّرَ عَنْ جَمِيعِهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا [16 \ 14] ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ كُلِّهِ.
وَمِنْ هُنَا جَعَلَ عُلَمَاءُ الْمَالِكِيَّةِ لِللُّحُومِ أَرْبَعَةَ أَجْنَاسٍ لَا خَامِسَ لَهَا:
الْأَوَّلُ: لَحْمُ مَا فِي الْبَحْرِ كُلِّهِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، لِمَا ذَكَرْنَا.
الثَّانِي: لُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْوُحُوشِ كُلِّهَا عِنْدَهُمْ جِنْسٌ وَاحِدٌ. قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ أَسْمَائِهَا فِي حَيَاتِهَا، فَقَالَ: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ [6 \ 143] ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ [6 \ 144] ، أَمَّا بَعْدَ ذَبْحِهَا فَقَدْ عَبَّرَ عَنْهَا بِاسْمٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ [5 \ 1] ، فَجَمَعَهَا بِلَحْمٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: يَدْخُلُ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْوَحْشُ كَالظِّبَاءِ.
الثَّالِثُ: لُحُومُ الطَّيْرِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [56 \ 21] ،