الْيَقِينُ: الْمَوْتُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [74 \ 43 - 47] ، وَهُوَ: الْمَوْتُ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ (امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَدْ مَاتَ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ! فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ "؟ فَقَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: " أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ. . " الْحَدِيثَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَقِينَ الْمَوْتُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ انْكِشَافُ الْحَقِيقَةِ، وَتَيَقُّنُ الْوَاقِعِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَا ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا جَاءَهُ الْمَوْتُ ظَهَرَتْ لَهُ الْحَقِيقَةُ يَقِينًا. وَلَقَدْ أَجَادَ التُّهَامِيُّ فِي قَوْلِهِ:
وَالْعَيْشُ نَوْمٌ وَالْمَنِيَّةُ يَقَظَةٌ ... وَالْمَرْءُ بَيْنَهُمَا خَيَالٌ سَارِي
وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ فِي التَّارِيخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالدَّيْلَمِيُّ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَا أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ الْمَالَ وَأَكُونَ مِنَ التَّاجِرِينَ، وَلَكِنْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [15 \ 98 - 99] .
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَا أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ الْمَالَ وَأَكُونَ مِنَ التَّاجِرِينَ، وَلَكِنْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ: " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالدَّيْلَمِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " مَا أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ تَاجِرًا وَلَا أَجْمَعُ الْمَالَ مُتَكَاثِرًا، وَلَكِنْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ: " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ".
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ حَيًّا وَلَهُ عَقْلٌ ثَابِتٌ يُمَيِّزُ بِهِ، فَالْعِبَادَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَلْيُصَلِّ قَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ