اعْلَمْ أَنَّ مَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ: مِنْ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ دَلَّا عَلَى اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ، يَعْنِي بِالْكِتَابِ قَوْلَهُ تَعَالَى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [18 \ 21] ، وَيَعْنِي بِالسُّنَّةِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَنْ: مَوْضِعَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، وَقَائِلُهُ مِنْ أَجْهَلِ خَلْقِ اللَّهِ.

أَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ فَهُوَ أَنْ تَقُولَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَالُوا: «لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا» ؟ أَهُمْ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ؟ أَمْ هُمْ كَفَرَةٌ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ؟ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ [18 \ 21] ، مَا نَصُّهُ: «وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، أَهُمُ الرَّهْطُ الْمُسْلِمُونَ أَمْ هُمُ الْكُفَّارُ؟ فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ فَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ فِعْلَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ; إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالِاحْتِجَاجِ بِأَفْعَالِ الْكُفَّارِ كَمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ. وَعَلَى الْقَوْلِ: بِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ كَمَا يَدُلُّ لَهُ ذِكْرُ الْمَسْجِدِ ; لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْمَسَاجِدِ مِنْ صِفَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى عَاقِلٍ أَنَّ قَوْلَ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ: إِنَّهُمْ سَيَفْعَلُونَ كَذَا، لَا يُعَارِضُ بِهِ النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَنْ طَمَسَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ فَقَابَلَ قَوْلَهُمْ: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [18 \ 21] بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَبْلَ انْتِقَالِهِ إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى بِخَمْسٍ:» لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ; اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ «. الْحَدِيثَ. يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ مَنِ اتَّبَعَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فِي اتِّخَاذِهِمُ الْمَسْجِدَ عَلَى الْقُبُورِ، مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَمَنْ كَانَ مَلْعُونًا عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ مَلْعُونٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ; لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [59 \ 7] ; وَلِهَذَا صَرَّحَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بِأَنَّ الْوَاصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمَا فِي الْحَدِيثِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَلْعُونَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ. وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَتْ لَهُ: قَرَأْتُ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ فَلَمْ أَجِدْ، إِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ فَقَدْ وَجَدْتِيهِ، ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ، وَحَدِيثُهُ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِهِ تُعْلَمُ أَنَّ مَنِ اتَّخَذَ الْمَسَاجِدَ عَلَى الْقُبُورِ مَلْعُونٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي آيَةِ: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [18 \ 21] .

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ: بِأَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ مَبْنِيٌّ فِي مَحَلِّ مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ فَسُقُوطُهُ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِهَا فَنُبِشَتْ وَأُزِيلَ مَا فِيهَا. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015