وَقَوْلُهُ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [3 \ 39] عَجِبَ مِنْ كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ الْآيَةَ [3 \ 40] وَقَوْلُهُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ مُخَفَّفَةً وَهِيَ نُونُ الرَّفْعِ، وَقَرَأَهُ نَافِعٌ بِكَسْرِ النُّونِ مُخَفَّفَةً وَهِيَ نُونُ الْوِقَايَةِ مَعَ حَذْفِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ لِدَلَالَةِ الْكَسْرَةِ عَلَيْهَا، وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ بِالنُّونِ الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ مَعَ الْمَدِّ، فَعَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ لَمْ يَحْذِفْ نُونَ الرَّفْعِ وَلَا الْمَفْعُولَ بِهِ، بَلْ نُونُ الرَّفْعِ مُدْغَمَةٌ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ وَيَاءُ الْمُتَكَلِّمِ هِيَ الْمَفْعُولُ بِهِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ فَنُونُ الرَّفْعِ ثَابِتَةٌ وَالْمَفْعُولُ بِهِ مَحْذُوفٌ عَلَى حَدِّ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ.
وَحَذْفُ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضُرَّ ... كَحَذْفِ مَا سِيقَ جَوَابًا أَوْ حُصِرَ
وَعَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ فَنُونُ الرَّفْعِ مَحْذُوفَةٌ لِاسْتِثْقَالِ اجْتِمَاعِهَا مَعَ نُونِ الْوِقَايَةِ.
تَنْبِيهٌ
حَذْفُ نُونِ الرَّفْعِ لَهُ خَمْسُ حَالَاتٍ ثَلَاثٌ مِنْهَا يَجِبُ فِيهَا حَذْفُهَا، وَوَاحِدَةٌ يَجُوزُ فِيهَا حَذْفُهَا وَإِثْبَاتُهَا، وَوَاحِدَةٌ يُقْصَرُ فِيهَا حَذْفُهَا عَلَى السَّمَاعِ، أَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْحَذْفُ: فَالْأُولَى مِنْهَا إِذَا دَخَلَ عَلَى الْفِعْلِ عَامِلُ جَزْمٍ، وَالثَّانِيَةُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ عَامِلُ نَصْبٍ، وَالثَّالِثَةُ إِذَا أُكِّدَ الْفِعْلُ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ نَحْوَ لَتُبْلَوُنَّ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْإِثْبَاتُ وَالْحَذْفُ فَهِيَ مَا إِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ نُونِ الرَّفْعِ نُونُ الْوِقَايَةِ، لِكَوْنِ الْمَفْعُولِ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ الْحَذْفُ وَالْإِثْبَاتُ، وَمِنَ الْحَذْفِ قِرَاءَةُ نَافِعٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَبِمَ تُبَشِّرُونِ بِالْكَسْرِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ [6 \ 80] . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ [16 \ 27] بِكَسْرِ النُّونِ مَعَ التَّخْفِيفِ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ الْآيَةَ [39 \ 64] بِالْكَسْرِ مَعَ التَّخْفِيفِ أَيْضًا، وَكُلُّهَا قَرَأَهَا بَعْضُ الْقُرَّاءِ بِالتَّشْدِيدِ لِإِثْبَاتِ نُونِ الرَّفْعِ وَإِدْغَامِهَا فِي نُونِ الْوِقَايَةِ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ الْمَقْصُورَةُ عَلَى السَّمَاعِ فَهُوَ حَذْفُهَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، كَقَوْلِ الرَّاجِزِ:
أَبِيتُ أَسْرِي وَتَبِيتُ تُدَلِّكِي ... وَجْهَكِ بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الذَّكِيِّ
أَمَّا بَقَاءُ نُونِ الرَّفْعِ مَعَ الْجَازِمِ فِي قَوْلِهِ: