أَوَّلًا تُرَابٌ بِقَوْلِهِ: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ [3 \ 59] وَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ [22 \ 5] وَقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ الْآيَةَ [40 \ 67] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ التُّرَابَ بُلَّ فَصَارَ طِينًا يَعْلَقُ بِالْأَيْدِي فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ [37 \ 11] وَقَوْلِهِ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ [23 \ 12] وَقَوْلِهِ: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ [32 \ 7] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الطِّينَ أَسْوَدُ، وَأَنَّهُ مُتَغَيِّرٌ بِقَوْلِهِ هُنَا مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّهُ يَبِسَ حَتَّى صَارَ صَلْصَالًا، أَيْ تَسْمَعُ لَهُ صَلْصَلَةً مِنْ يُبْسِهِ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ الْآيَةَ [15 \ 26] وَقَوْلِهِ: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ الْآيَةَ [55 \ 14] وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَسْجُدَ لِآدَمَ، وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ تَكَبَّرَ عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِ، كَقَوْلِهِ فِي الْبَقَرَةِ: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ الْآيَةَ [2 \ 34] وَقَوْلِهِ فِي ص إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [38 \ 74] وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ هُنَا بِقَوْلِهِ: قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [15 \ 33] . كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ سَأَلَ إِبْلِيسَ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ عَنِ الْمُوجِبِ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ - جَلَّ وَعَلَا - وَبَيَّنَ أَيْضًا فِي الْأَعْرَافِ وَص أَنَّهُ وَبَّخَهُ أَيْضًا بِهَذَا السُّؤَالِ قَالَ فِي الْأَعْرَافِ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [7 \ 12] وَقَالَ فِي ص: قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ الْآيَةَ [38 \ 75] وَنَادَاهُ بِاسْمِهِ إِبْلِيسَ فِي الْحِجْرِ وَص، وَلَمْ يُنَادِهِ بِهِ فِي الْأَعْرَافِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ.
هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ إِبْلِيسَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَسْجُدَ لِبَشَرٍ مَخْلُوقٍ مِنَ الطِّينِ، مَقْصُودُهُ بِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ آدَمَ ; لِأَنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنَ الطِّينِ وَهُوَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، كَمَا يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [38 \ 76] .