وَأَرْغَبُ فِيهَا عَنْ لَقِيطٍ وَرَهْطِهِ ... وَلَكِنَّنِي عَنْ سُنْبُسٍ لَسْتُ أَرْغَبُ
يُرِيدُ وَأَرْغَبُ بِهَا: قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ بِتَمَامِ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [14 \ 9] .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي خِلَافُ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ; لِأَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يَقْتَضِي مُغَايَرَةَ مَا بَعْدَهُ لِمَا قَبْلَهُ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ الْآيَةَ غَيْرُ التَّصْرِيحِ بِالتَّكْذِيبِ بِالْأَفْوَاهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ الْكُفَّارَ جَعَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِ الرُّسُلِ رَدًّا لِقَوْلِهِمْ، وَعَلَيْهِ فَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلْكُفَّارِ وَالثَّانِي لِلرُّسُلِ، وَيُرْوَى هَذَا عَنِ الْحَسَنِ، وَقِيلَ: جَعَلَ الْكُفَّارُ أَيْدِيَ الرُّسُلِ عَلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ لِيُسْكِتُوهُمْ وَيَقْطَعُوا كَلَامَهُمْ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ مُقَاتِلٍ، وَقِيلَ: رَدَّ الرُّسُلُ أَيْدِيَ الْكُفَّارِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَقَدْ رَأَيْتَ الْأَقْوَالَ وَمَا يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ مِنْهَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ
جَمْعُ الْفَمِ مُكَسَّرًا عَلَى أَفْوَاهٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ فُوهٌ، فَحُذِفَتِ الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَعُوِّضَتْ عَنْهُمَا الْمِيمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٌ.
صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ صَرَّحُوا لِلرُّسُلِ بِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ بِهِمْ، وَأَنَّهُمْ شَاكُّونَ فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ، وَقَدْ نَصَّ تَعَالَى عَلَى بَعْضِهِمْ بِالتَّعْيِينِ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِالْكُفْرِ بِهِ، وَأَنَّهُمْ شَاكُّونَ فِيمَا يَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِ، كَقَوْلِ قَوْمِ صَالِحٍ لَهُ: أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [11 \ 62] ، وَصَرَّحُوا بِالْكُفْرِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [7 \ 75] ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَذْكُرَ عُمُومًا فِي آيَةٍ، ثُمَّ يُصَرِّحُ فِي آيَةٍ أُخْرَى بِدُخُولِ بَعْضِ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعُمُومِ فِيهِ كَمَا هُنَا، وَكَمَا