مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ اللِّوَاطِ، وَهُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ، وَإِيذَاءُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ اللِّوَاطَ زِنًى فَيُجْلَدُ مُرْتَكِبُهُ مِائَةً إِنْ كَانَ بِكْرًا وَيُغَرَّبُ سَنَةً، وَيُرْجَمُ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ إِلَى أَنَّ اللِّوَاطَ زِنًى، فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الزِّنَى، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ، وَإِذَا أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَهُمَا زَانِيَتَانِ» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثَنَا أَبُو بَدْرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَهُ. قَالَ الشَّيْخُ: وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا لَا أَعْرِفُهُ، وَهُوَ مُنْكَرٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «نَيْلِ الْأَوْطَارِ» فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَذَّبَهُ أَبُو حَاتِمٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا أَعْرِفُهُ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَفِيهِ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْبَجَلِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ. اهـ مِنْهُ.
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا بِقِيَاسِ اللِّوَاطِ عَلَى الزِّنَى بِجَامِعِ أَنَّ الْكُلَّ إِيلَاجُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا، مُشْتَهًى طَبْعًا.
وَرُدَّ بِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَكُونُ فِي الْحُدُودِ ; لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» بِقَوْلِهِ:
وَالْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ التَّقْدِيرُ جَوَازُهُ فِيهَا هُوَ الْمَشْهُورُ
إِلَّا أَنَّ قِيَاسَ اللَّائِطِ عَلَى الزَّانِي يُقْدَحُ فِيهِ بِالْقَادِحِ الْمُسَمَّى: «فَسَادُ الِاعْتِبَارِ» ; لِمُخَالَفَتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ: أَنَّ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ يُقْتَلَانِ مُطْلَقًا، أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحَصِنَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ صَاحِبَ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ لَا يَشْتَهِي اللِّوَاطَ، بَلْ يَنْفِرُ مِنْهُ غَايَةَ النُّفُورِ