قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَالَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْعَرْضِ، قَالَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ: إِسْنَادُ الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفٌ، فَكَانَ اتِّبَاعُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِصِحَّتِهِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الزَّكَاةِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ مَا رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُمْ عَنْ أَحَدٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ - إِنْ صَحَّ - لَا زَكَاةَ فِي الْعَرْضِ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ التِّجَارَةَ " اهـ مِنْ سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّإِ "، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ، وَكَانَ زُرَيْقٌ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَسُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ انْظُرْ مَنْ يَمُرُّ بِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا، وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا.
وَأَمَّا الْآيَةُ: فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [2 \ 267] ، عَلَى مَا فَسَّرَهَا بِهِ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " سُنَنِهِ " بَابُ: " زَكَاةِ التِّجَارَةِ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ الْآيَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، قَالَ: التِّجَارَةُ، وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: النَّخْلُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ "، " بَابُ صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، إِلَى قَوْلِهِ: أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْفَتْحِ ": هَكَذَا أَوْرَدَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْآيَةِ بِغَيْرِ حَدِيثٍ.
وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، قَالَ: مِنَ التِّجَارَةِ الْحَلَالِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ آدَمَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَلَفْظُهُ: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ قَالَ: مِنَ التِّجَارَةِ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: