بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ التَّوْبَةِ
اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يَكْتُبُوا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي سُورَةِ «بَرَاءَةٌ» ، هَذِهِ فِي الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ سُقُوطِ الْبَسْمَلَةِ مِنْهَا عَلَى أَقْوَالٍ:
مِنْهَا: أَنَّ الْبَسْمَلَةَ رَحْمَةٌ وَأَمَانٌ وَ «بَرَاءَةٌ» نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ، فَلَيْسَ فِيهَا أَمَانٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ ذَلِكَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ إِذَا كَتَبُوا كِتَابًا فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ أَسْقَطُوا مِنْهُ الْبَسْمَلَةَ، فَلَمَّا أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَقْرَأَهَا عَلَيْهِمْ فِي الْمَوْسِمِ، قَرَأَهَا، وَلَمْ يُبَسْمِلْ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي شَأْنِ نَقْضِ الْعَهْدِ، نَقَلَ هَذَا الْقَوْلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا اخْتَلَفُوا: هَلْ «بَرَاءَةٌ» وَ «الْأَنْفَالُ» سُورَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ سُورَتَانِ، تَرَكُوا بَيْنَهُمَا فَرْجَةً لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمَا سُورَتَانِ، وَتَرَكُوا الْبَسْمَلَةَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: هُمَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ، فَرَضِيَ الْفَرِيقَانِ وَثَبَتَتْ حُجَّتَاهُمَا فِي الْمُصْحَفِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ سُورَةَ «بَرَاءَةٌ» نُسِخَ أَوَّلُهَا فَسَقَطَتْ مَعَهُ الْبَسْمَلَةُ، وَهَذَا الْقَوْلُ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، عَنْ مَالِكٍ، كَمَا نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
وَعَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهَا كَانَتْ تَعْدِلُ سُورَةَ «الْبَقَرَةِ» .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ; لِأَنَّ جِبْرِيلَ لَمْ يَنْزِلْ بِهَا فِيهَا. قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ. اهـ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ سَبَبَ سُقُوطِ الْبَسْمَلَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، هُوَ مَا قَالَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ.
فَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ، فِي «صَحِيحِهِ» وَالْحَاكِمُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ» وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ