سَتُمْنَعُ ; وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي إِيذَانًا بِتَحَقُّقِ الْوُقُوعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ الْآيَةَ [18 \ 99] وَ [36 \ 51] وَ [39، 68] [50 \ 20] ، وَقَوْلِهِ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ الْآيَةَ [16 \ 1] .

قَالُوا: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ لِلْغَانِمِينَ ; لِأَنَّ مَا مَلَكَهُ الْغَانِمُونَ لَا يَكُونُ فِيهِ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ هَذَا شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «فَتْحِ الْبَارِيِّ» فِي كِتَابِ «فَرْضِ الْخُمُسِ» مَا نَصُّهُ: وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مُنِعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا» الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ الْمَغْنُومَةَ: لَا تُبَاعُ، وَلَا تُقَسَّمُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْعِ: مَنْعُ الْخَرَاجِ، وَرَدُّهُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْإِنْذَارِ بِمَا يَكُونُ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيُمْنَعُونَ حُقُوقَهُمْ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا، كَمَا قَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ» .

وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا» .

وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا: بِأَنَّ الْأَرْضَ الْمَغْنُومَةَ لَوْ كَانَتْ تُقَسَّمُ، لَمْ يَبْقَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الْغَانِمِينَ شَيْءٌ، وَاللَّهُ أَثْبَتَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ شَرِكَةً بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا الْآيَةَ [59 \ 10] ، فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا [59 \ 8] ، وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ [59 \ 9] ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ، مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ: يَقُولُونَ، غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ يَقُولُ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الْآيَةَ.

وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ يَسُبُّونَ الصَّحَابَةَ وَيَلْعَنُونَهُمْ، وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالَّذِينَ جَاءُوا، مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَجُمْلَةَ يَقُولُونَ، حَالٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي «آلِ عِمْرَانَ» ، وَهِيَ قَيْدٌ لِعَامِلِهَا وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015