بِاسْتِيفَاءِ الْأَكْلِ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا: الْمَعْنَى (غَيْرَ بَاغٍ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ، (وَلَا عَادٍ) عَلَيْهِمْ، فَيَدْخُلُ فِي الْبَاغِي وَالْعَادِي قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، وَالْخَارِجُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَالْمُسَافِرُ فِي قَطْعِ الرَّحِمِ، وَالْغَارَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَا شَاكَلَهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ ; فَإِنَّ أَصْلَ الْبَغْيِ فِي اللُّغَةِ قَصْدُ الْفَسَادِ، يُقَالُ: بَغَتِ الْمَرْأَةُ تَبْغِي بِغَاءً إِذَا فَجَرَتْ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) [24 \ 33] وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَ الْبَغْيُ فِي طَلَبِ غَيْرِ الْفَسَادِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: خَرَجَ الرَّجُلُ فِي بِغَاءِ إِبِلٍ لَهُ؛ أَيْ: فِي طَلَبِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: [مُرَفَّلِ الْكَامِلِ]

لَا يَمْنَعَنَّكَ مِنْ بِغَا ... ءِ الْخَيْرِ تَعْقَادُ الرَّتَائِمْ

إِنَّ الْأَشَائِمَ كَالْأَيَا ... مِنِ وَالْأَيَامِنَ كَالْأَشَائِمْ

وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاضْطِرَارِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: الْإِكْرَاهُ عَلَى أَكْلِ الْمُحَرَّمِ، كَالرَّجُلِ يَأْخُذُهُ الْعَدُوُّ، فَيُكْرِهُونَهُ عَلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَخْمَصَةُ الَّتِي هِيَ الْجُوعُ كَمَا ذَكَرْنَا.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ آيَةَ (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) [5 \ 3] ، مُبَيِّنَةٌ لِذَلِكَ، وَحُكْمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ مَا ذُكِرَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) [16 \ 106] بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .

مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالِاضْطِرَارِ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَيْتَةِ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ وَيُمْسِكُ حَبَّاتِهِ، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَفْسِ الشِّبَعِ هَلْ لَهُ أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْمَيْتَةِ أَوْ لَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَةُ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ، وَيَأْمَنُ مَعَهُ الْمَوْتَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015