يَضِيقُ بِهِ الصَّدْرُ.

وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ فِي الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ [11 \ 12] ، وَقَوْلُهُ: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [15 \ 97] ، وَقَوْلُهُ: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [181 \ 6] وَقَوْلُهُ: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [26 \ 3] .

وَيُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الْأَخِيرَ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْحَرَجَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: الضِّيقُ. وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ [24 \ 61] ، وَقَوْلُهُ: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [22 \ 78] ، وَقَوْلُهُ: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [6 \ 125] ، أَيْ: شَدِيدَ الضِّيقِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَوْ جَمِيلٍ: [الْكَامِلُ]

فَخَرَجْتُ خَوْفَ يَمِينِهَا فَتَبَسَّمَتْ ... فَعَلِمْتُ أَنَّ يَمِينَهَا لَمْ تُحْرَجِ

وَقَوْلُ الْعَرْجِيِّ [السَّرِيعُ] :

عُوجِي عَلَيْنَا رَبَّةَ الْهَوْدَجِ ... إِنَّكِ إِلَّا تَفْعَلِي تَحْرُجِي

وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَاجِ فِي الْبَيْتَيْنِ:

الْإِدْخَالُ فِي الْحَرَجِ. بِمَعْنَى الضِّيقِ كَمَا ذَكَرْنَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ.

لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا الْمَفْعُولَ بِهِ لِقَوْلِهِ لِتُنْذِرَ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [19 \ 97] ، وَقَوْلِهِ: لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ [36 \ 6] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. كَمَا أَنَّهُ بَيَّنَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ لِلْإِنْذَارِ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ الْآيَةَ [18 \ 2] ، وَقَوْلِهِ: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى [92 \ 14] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا الْآيَةَ [78 \ 40] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَدْ جَمَعَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بَيْنَ الْإِنْذَارِ وَالذِّكْرَى فِي قَوْلِهِ: لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [7 \ 2] فَالْإِنْذَارُ لِلْكُفَّارِ، وَالذِّكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [19 \ 97] ، وَقَوْلُهُ: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [51 \ 55] ، وَقَوْلُهُ: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [50 \ 45] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015