تَنْبِيهٌ
قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: إِنَّ الرُّشْدَ الَّذِي يُدْفَعُ بِهِ الْمَالُ إِلَى مَنْ بَلَغَ النِّكَاحَ، هُوَ حِفْظُ الْمَالِ، وَحُسْنُ النَّظَرِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا شَرِّيبًا، كَمَا أَنَّ الصَّالِحَ التَّقِيَّ إِذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ النَّظَرَ فِي الْمَالِ لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ، قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ الْمَالِكِيُّ فِي «تُحْفَتِهِ» : [الرَّجَزُ]
وَشَارِبُ الْخَمْرِ إِذَا مَا ثَمَرَا ... لِمَا يَلِي مِنْ مَالِهِ لَنْ يَحْجُرَا
وَصَالِحٌ لَيْسَ يُجِيدُ النَّظَرَا فِي الْمَالِ ... إِنْ خِيفَ الضَّيَاعُ حُجِرَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ: لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ الْعَاصِي رَشِيدًا ; لِأَنَّهُ لَا سَفَهَ أَعْظَمُ مِنْ تَعْرِيضِهِ نَفْسَهُ لِسَخَطِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ بِارْتِكَابِ الْمَعَاصِي، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، أَمَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِإِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ بِالْعَدْلِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِإِيفَائِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ لِذَلِكَ، لَا حَرَجَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا عِقَابًا لِمَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ تَوَعَّدَهُ بِالْوَيْلِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَوَبَّخَهُ بِأَنَّهُ لَا يَظُنُّ الْبَعْثَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [83 \ 1 - 6] .
وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ إِيفَاءَ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ خَيْرٌ لِفَاعِلِهِ، وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [17 \ 35] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، أَمَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِالْعَدْلِ فِي الْقَوْلِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى ذِي قَرَابَةٍ، وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَالِدَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْآيَةَ [4 \ 135] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا الْآيَةَ، أَمَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِالْإِيفَاءِ بِعَهْدِ اللَّهِ، وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ عَهْدَ اللَّهِ سَيُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِقَوْلِهِ: