93

الْقُرْطُبِيُّ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءَ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ لَوْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ لَحَبِطَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِمْ.

وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهُ أُوحِيَ هَذَا إِلَى نَبِيِّنَا وَالْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ - عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ - وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الْآيَةَ [39 \ 65] ، وَهَذَا شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْوُقُوعِ، كَقَوْلِهِ: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ الْآيَةَ [43 \ 81] ، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ «إِنْ» شَرْطِيَّةٌ، وَقَوْلِهِ: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا الْآيَةَ [21 \ 17] ، وَقَوْلِهِ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا الْآيَةَ [39 \ 41] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنْ قَالَ: أُنْزِلَ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا [8 \ 31] ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى كَذِبَهُمْ فِي افْتِرَائِهِمْ هَذَا حَيْثُ تَحَدَّى جَمِيعَ الْعَرَبِ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُ، كَمَا ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ بِقَوْلِهِ: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [2 \ 23] ، وَفِي يُونُسَ بِقَوْلِهِ: قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [2 \ 38] ، وَتَحَدَّاهُمْ فِي هُودٍ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ، وَتَحَدَّاهُمْ بِهِ كُلِّهِ فِي الطُّورِ بِقَوْلِهِ: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ.

ثُمَّ صَرَّحَ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِعَجْزِ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [17 \ 88] ، فَاتَّضَحَ بُطْلَانُ دَعْوَاهُمُ الْكَاذِبَةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ الْآيَةَ، لَمْ يُصَرِّحْ هُنَا بِالشَّيْءِ الَّذِي بَسَطُوا إِلَيْهِ الْأَيْدِيَ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ التَّعْذِيبُ بِقَوْلِهِ: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ الْآيَةَ [6 \ 93] ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [8 \ 50] ، وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ يُرَادُ بِبَسْطِ الْيَدِ التَّنَاوُلُ بِالسُّوءِ كَقَوْلِهِ: وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ [60 \ 2] ، وَقَوْلِهِ: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي الْآيَةَ [5 \ 28] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015