كَمَا سَاهَمَ فِي إِنْتَاجِهَا وَتَعْلِيمِهَا.
وَفِي سَنَةِ 86 هـ افْتُتِحَ مَعْهَدُ الْقَضَاءِ الْعَالِي بِالرِّيَاضِ بِرِآسَةِ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَفِيفِي وَكَانَتِ الدِّرَاسَةُ فِيهِ ابْتِدَاءً عَلَى نِظَامِ اسْتِقْدَامِ الْأَسَاتِذَةِ الزَّائِرِينَ فَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِمَّنْ يَذْهَبُ لِإِلْقَاءِ الْمُحَاضَرَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فِي التَّفْسِيرِ وَالْأُصُولِ.
قَدِ امْتَدَّ نَشَاطُهُ خَارِجَ الْمَمْلَكَةِ: إِذَا كَانَتِ الْجَامِعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ فَتَحَتْ لِلْبِلَادِ نَوَافِذَ تُطِلُّ مِنْهَا عَلَى الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ كُلِّهِ، وَجَعَلَتْ مِنْ حَقِّ أُولَئِكَ الْأَبْنَاءِ مَا يَجِبُ مِنْ رِعَايَتِهِمْ، وَحَقِّ تِلْكَ الْأَقْطَارِ مَا يَلْزَمُ مِنْ تَقْوِيَةِ أَوَاصِرِ الرَّوَابِطِ. فَكَانَتْ فِكْرَةُ إِرْسَالِ بَعَثَاتٍ إِلَى الْأَقْطَارِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَخَاصَّةً إِفْرِيقْيَا، فَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ بَعْثَةِ الْجَامِعَةِ إِلَى عَشْرِ دُوَلٍ أَفْرِيقِيَّةٍ بَدَأَتْ بِالسُّودَانِ، وَانْتَهَتْ بِمُورِيتَانْيَا مَوْطِنِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَانَ لِهَذِهِ الْبَعْثَةِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ أَعْظَمُ الْأَثَرِ، وَأَذْكُرُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ أَفَاضِلِ الْبِلَادِ بِمُورِيتَانْيَا وَفِي حَفْلِ تَكْرِيمٍ لِلْبَعْثَةِ وَكَلَ إِلَيَّ فَضِيلَتُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْجَوَابِ فَكَانَ مِنْهَا أَنَّ الذِّكْرَيَاتِ لَتَتَحَدَّثُ وَإِنَّهَا لَسَاعَةٌ عَجِيبَةٌ أَدَارَتْ عَجَلَةَ الزَّمَانِ حَيْثُ نَشَأَ الشَّيْخُ فِي بِلَادِكُمْ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْحِجَازِ ثُمَّ هَا هُوَ يَعُودُ إِلَيْكُمْ عَلَى رَأْسِ وَفْدٍ وَرِئَاسَةِ بَعْثَةٍ فَقَدْ نَبَتَتْ غَرْسَةُ عِلْمِهِ هُنَا عِنْدَكُمْ فَذَهَبَ إِلَى الْحِجَازِ فَنَمَتْ وَتَرَعْرَعَتْ فَامْتَدَّتْ أَغْصَانُهَا حَتَّى شَمَلَتْ بِوَارِفِ ظِلِّهَا بِلَادَ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا وَهَا نَحْنُ فِي مَوْطِنِهِ نَجْنِي ثِمَارَ غَرْسِهَا وَنَسْتَظِلُّ بِوَارِفِ ظِلِّهَا. فَكَانَتْ تِلْكَ الرِّحْلَةُ حَقًّا حَلْقَةَ اتِّصَالٍ وَتَجْدِيدَ عَهْدٍ وَإِحْيَاءَ مَعَالِمٍ لِلْإِسْلَامِ.
وَكَانَ لَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْعَدِيدُ مِنَ الْمُحَاضَرَاتِ وَالْمُحَادَثَاتِ سُجِّلَتْ كُلُّهَا فِي أَشْرِطَةٍ لَا تَزَالُ مَحْفُوظَةً، آمُلُ أَنْ أُوَفَّقَ لِنَقْلِهَا وَطَبْعِهَا إِتْمَامًا لِلْفَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَنَضُمُّ إِلَيْهَا مَنْهَجَهُ وَسُلُوكَهُ مَعَ الْحُكَّامِ وَصِغَارِ الطُّلَّابِ وَالْعَوَامِّ مِمَّا يَرْسُمُ الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ لِلدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَبِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.
فِي هَيْئَةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ: وَكَمَا شُكِّلَتْ هَيْئَةُ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ سَمَاحَةِ الْمُفْتِي رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهِيَ أَكْبَرُ هَيْئَةٍ عِلْمِيَّةٍ فِي الْبِلَادِ. كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَدَ أَعْضَائِهَا. وَقَدْ تَرَأَّسَ إِحْدَى دَوْرَاتِهَا فَكَانَتْ لَهُ السِّيَاسَةُ الرَّشِيدَةُ وَالنَّتَائِجُ الْحَمِيدَةُ. سَمِعْتُ فَضِيلَةَ الشَّيْخِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ صَالِحٍ حَفِظَهُ اللَّهُ وَهُوَ عُضْوٌ فِيهَا يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ قَبْلَهُ أَحْسَنَ إِدَارَةً مِنْهُ مَعَ بُعْدِ نَظَرٍ فِي الْأُمُورِ، وَحُسْنِ تَدَبُّرٍ لِلْعَوَاقِبِ.
فِي الرَّابِطَةِ: وَفِي رَابِطَةِ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ كَانَ عُضْوَ الْمَجْلِسِ التَّأْسِيسِيِّ لَمْ تَقِلَّ