بِالْإِغْضَاءِ، أَوْ يَتَرَدَّدُ الْآخَرُونَ خَشْيَةَ التَّقْصِيرِ. وَلِهَذَا فَقَدْ تَذْهَبُ الشَّخْصِيَّةُ الْفَذَّةُ دُونَ كِتَابَةٍ عَنْهَا فَيَفْتَقِدُهُ الْحَاضِرُونَ وَيَفْقِدُ سِيرَتَهُ الْقَادِمُونَ. عِلْمًا بِأَنَّ سِيرَةَ الرِّجَالِ مَدْرَسَةُ الْأَجْيَالِ.
وَفَضِيلَةُ الْوَالِدِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ شَخْصِيَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ وَسِيرَةٌ وَاضِحَةٌ يَعْرِفُهَا كُلُّ مَنْ لَقِيَهُ أَوْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ أَوِ اسْتَمَعَ دَرْسَهُ أَوْ قَرَأَ كُتُبَهُ أَوْ حَتَّى سَمِعَ عَنْهُ. وَقَدْ طَبَّقَتْ شُهْرَتُهُ الْآفَاقَ.
وَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَنْ مِثْلِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمِنْ أَشَقِّ مَا يَكُونُ لِتَعَدُّدِ جَوَانِبِهِ الشَّخْصِيَّةِ وَانْفِسَاحِ مَجَالَاتِهِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا مَرْجِعَ لِمَنْ يَكْتُبُ عَنْهُ إِلَّا الْخُلْطَةَ وَطُولَ الْعِشْرَةِ وَتَصَيُّدَ الْأَخْبَارِ مِنْ ذَوِيِهِ الْأَخْيَارِ.
وَحَيْثُ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْكِتَابَةِ عَنْهُ هُمْ تَلَامِذَتُهُ وَأَبْنَاؤُهُ، وَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِصُحْبَتِهِ وَطُولِ مُلَازَمَتِهِ لَيْلَ نَهَارٍ، وَكَثْرَةِ مُرَافَقَتِهِ فِي الظَّعْنِ وَالْأَسْفَارِ. دَاخِلَ وَخَارِجَ الْمَمْلَكَةِ. وَسَمِعْتُ مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ وَالْكَثِيرَ جِدًّا، فَإِنِّي لَأَجِدُنِي تَتَجَاذَبُنِي عَوَامِلُ الْإِقْدَامِ وَالْإِحْجَامِ. فَإِذَا اسْتَحْضَرْتُ كُلَّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، وَتَصَوَّرْتُ كُلَّ مَا لَمَسْتُهُ فِيهِ أَجِدُنِي أَحَقَّ النَّاسِ بِالْكِتَابَةِ عَنْهُ.
وَإِذَا تَذَكَّرْتُ مَكَانَتَهُ وَتَرَاءَتْ لِي مُنْزِلَتُهُ وَأَحْسَسْتُ تَأْثِيرَهُ عَلَى نَفْسِي تَلَاشَتْ مِنْ ذِهْنِي كُلُّ مَعَانِي الْكِتَابَةِ أَمَامَ تِلْكَ الشَّخْصِيَّةِ الْمِثَالِيَّةِ وَتَرَاجَعَتْ بَعِيدًا عَنْ مَيَادِينِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ.
وَلَكِنْ إِذَا كَانَ كُلُّ كَاتِبٍ لَا يَسْتَطِيعُ تَقْيِيمَ كُلِّ شَخْصِيَّةٍ تَقْيِيمًا حَقِيقِيًّا يَدُلُّ عَلَى الشَّخْصِ دَلَالَةً مُطَابِقَةً، وَفِي أُسْلُوبِ الْمُسَاوَاةِ. لَا مُوجِزًا وَلَا مُطْنِبًا. إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ كُلِّ كَاتِبٍ مَعَ كُلِّ شَخْصٍ.
وَإِذَا كَانَ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ أَحَقَّ بِالْكِتَابَةِ عَنْهُ فَمَا لِي لَا أُدْلِي بِدَلْوِي بِالدِّلَاءِ، وَأُعْمِلُ قَلَمِي مَعَ الْأَقْلَامِ، وَأُبْدِي مَا عِنْدِي سَوَاءٌ مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ مُبَاشَرَةً أَوْ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ، أَوْ لَمَسْتُهُ مِنْ جَوَانِبِ حَيَاتِهِ وَسِيرَتِهِ.
دُونَ انْطِلَاقٍ مَعَ الْعَاطِفَةِ إِلَى حَدِّ الْإِطْنَابِ، وَدُونَ إِحْجَامٍ مَعَ الْوَجَلِ وَالتَّهَيُّبِ وَالْوَجَلِ إِلَى حَدِّ الْإِيجَازِ. إِنَّهُ لَشَيْخِي، وَأَعِزُّ عَلَيَّ مِنْ وَالِدِي.
إِنَّهُ حَقًّا وَالِدِي حِسًّا وَمَعْنًى، لَقَدْ عِشْتُ فِي كَنَفِهِ سَنَوَاتٍ مَعَهُ فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ يُظِلُّنَا سَقْفٌ وَاحِدٌ فِي غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَدًا طَوِيلًا.