مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ أَحْيَا عُلُومًا دَرَسَتْ، وَخَلَّفَ تُرَاثًا بَاقِيًا، وَرَبَّى أَفَوْجًا مُتَلَاحِقَةً تُعَدُّ بِالْآلَافِ مِنْ خِرِّيجِي كُلِّيَّاتِ وَمَعَاهِدِ الْإِدَارَةِ الْعَامَّةِ بِالرِّيَاضِ، وَالْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ.

مَا مَاتَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ لَهُ فِي كُلِّ دَائِرَةٍ مِنْ دَوَائِرِ الْحُكُومَةِ فِي أَنْحَاءِ الْبِلَادِ ابْنًا مِنْ أَبْنَائِهِ، وَفِي قُطْرٍ إِسْلَامِيٍّ بَعْثَةٌ مِنَ الْبَعَثَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِمِنَحِ الْجَامِعَةِ التَّعْلِمِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ.

مَا مَاتَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَرَكَ فِي كُلِّ مَكْتَبَةٍ وَفِي كُلِّ مَنْزِلٍ (أَضْوَاءَ الْبَيَانِ) تُبَدِّدُ الظَّلَامَ وَتَهْدِي السَّبِيلَ.

فَلَا يَبْعُدُ وَلَا يُعَالِي مَنْ يَقُولُ: مَا مَاتَ مَنْ خَلَّفَ هَذَا التُّرَاثِ، وَأَدَّى تِلْكَ الرِّسَالَةَ فِي حَيَاتِهِ، يُبْقِي أَثَرًا خَالِدًا عَلَى مَرِّ الْأَجْيَالِ وَالْقُرُونِ.

لَقَدْ أَدَّى رِسَالَةً عُظْمَى، وَانْتَقَلَ إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى لِيَحْصُدَ مَا زَرَعَ وَيَجْنِيَ ثِمَارَ مَا غَرَسَ، وَيَنْعَمَ بِمَا قَدَّمَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً.

لَقَدْ عَاشَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ مُنْذُ سِنِينَ حِينَ قَدِمَ لِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ، ثُمَّ اعْتَزَمَ الْمُقَامَ وَعَمِلَ فِي كُبْرَيَاتِ مَعَاهِدِ الْعِلْمِ وَجَامِعَاتِهِ، وَأَلَّفَ وَحَاضَرَ، وَلَمْ تُكْتَبْ عَنْهُ كَلِمَةٌ وَلَمْ يَكُنْ يَرْضَى بِالْكِتَابَةِ عَنْهُ. لَقَدْ كَانَتْ أَعْمَالُهُ تُتَرْجِمُ عَنْهُ وَمُؤَلَّفَاتُهُ تُعَرِّفُ بِهِ حَتَّى عَرَفَهُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْقَاصِي وَالدَّانِي، وَالْعَالِمُ وَالْعَامِّيُّ، فَلَمْ تَكُنْ وَفَاتُهُ رُزْءًا عَلَى فَرْدٍ أَوْ أُسْرَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ أَوْ قُطْرٍ، وَلَكِنْ عَلَى الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ كُلِّهِ.

وَمَا كَتَبْتُ عَنْهُ سِوَى كَلِمَةٍ مُوجَزَةٍ اسْتَقَيْتُهَا مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ طَبْعِ أَوَّلِ مُحَاضَرَةٍ لَهُ بِالْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَطُبِعَتْ فِي مُقَدِّمَتِهَا.

وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَمْ يُكْتَبْ عَنْهُ أَيْضًا إِلَّا تَعْرِيفٌ مُوجَزٌ بِالنَّشْأَةِ وَالْمَوْلِدِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ.

وَالْآنَ وَقَدْ تَحَتَّمَتِ الْكِتَابَةُ عَنْهُ لَا تَعْرِيفًا بِهِ، فَهُوَ أَعْرَفُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ، فَهُوَ الْعَلَمُ الْخَفَّاقُ، وَالطَّوْدُ الْأَشَمُّ، وَالشَّمْسُ الْمُشْرِقَةُ فَلَيْسَتِ الْكِتَابَةُ لِلتَّعْرِيفِ، وَلَكِنْ لِرَسْمِ خُطَاهُ وَبَيَانِ مَنْهَجِهِ، مِمَّا سَمِعْتُ مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَمَسْتُهُ مِنْ حَيَاتِي مَعَهُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ. وَإِنِّي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015