أَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى لَفْظَتَيْ رَجُلٍ وَنَفَرٍ، فَقَدْ رَدَّهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَيْضًا بِأَنَّهُمَا وَرَدَا مُقَيَّدَيْنِ «رِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ» ، «نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ» .
أَمَّا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَرِدَا، وَهَكَذَا لَفْظُ النَّاسِ فَلَا مَانِعَ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ مُقَيَّدًا نَاسٌ مِنَ الْجِنِّ. أَمَّا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا.
وَعَلَيْهِ فَحَيْثُ وَرَدَ لَفْظُ النَّاسِ هُنَا مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَعًا، بَلْ يَكُونُ خَاصًّا بِالْإِنْسِ فَقَطْ، وَيَكُونُ فِي صُدُورِ النَّاسِ أَيْ: فِي صُدُورِ الْإِنْسِ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو السُّعُودِ مَعْنًى آخَرَ فِي لَفْظِ النَّاسِ: وَهُوَ أَنَّ النَّاسِيَ عَنِ النِّسْيَانِ، حُذِفَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا لِأَنَّ الْوَسْوَاسَ لَا يُوَسْوِسُ إِلَّا فِي حِينِ النِّسْيَانِ وَالْغَفْلَةِ.
وَعَلَيْهِ يَكُونُ حَذْفُ الْيَاءِ كَحَذْفِهَا مِنَ «الدَّاعِ» فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي [54 \ 6] وَنَحْوِهِ.
وَلَكِنْ يَبْقَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَيَانُ مَنِ الْمُرَادُ بِالنَّاسِي، أَهُوَ مِنَ الْإِنْسِ أَمْ مِنَ الْجِنِّ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنِ الِاحْتِمَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ لَوَازِمِ مَعْنَى الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ.
وَيَرِدُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَمْعُ الصُّدُورِ وَإِفْرَادُ النَّاسِ، وَالْجَمْعُ لَا يُضَافُ إِلَّا إِلَى جَمْعٍ، أَيْ جَمْعُ الصُّدُورِ، لِأَنَّ الْفَرْدَ لَيْسَ لَهُ جَمْعٌ مِنَ الصُّدُورِ، فَيُقَابِلُ الْجَمْعَ بِجَمْعٍ، أَوْ يَكْتَفِي بِالْمُفْرَدِ بِمُفْرَدٍ.
وَقَدْ جَاءَ فِي إِضَافَةِ الْجَمْعِ إِلَى الْمُثَنَّى فِي قَوْلِهِ: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [66 \ 4] .
قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَحُسْنُهُ أَنَّ الْمُثَنَّى جَمْعٌ فِي الْمَعْنَى، وَالْجَمْعُ فِي مِثْلِ هَذَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا مِنَ الْمُثَنَّى، وَالتَّثْنِيَةُ دُونَ الْجَمْعِ.
كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَتَخَالَسَا نَفْسَيْهِمَا بِنَوَافِذَ ... كَنَوَافِذِ الْعُبُطِ الَّتِي لَا تُرْفَعُُُ