وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ هُوَ الْأَوَّلُ، كَمَا جَاءَ النَّصُّ الصَّرِيحُ فِي الصُّبْحِ وَالْحَبِّ وَالنَّوَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [6 \ 95 - 96] .
وَكُلُّهَا آيَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَرَى رُؤْيَا، إِلَّا جَاءَتْ كَفَلَقِ الصُّبْحِ.
وَالْفَلَقُ: بِمَعْنَى الصُّبْحِ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَا لَيْلَةً لَمْ أَنَمْهَا بِتُّ مُرِتَقِبًا ... أَرْعَى النُّجُومَ إِلَى أَنْ قَدَّرَ الْفَلَقُ
وَقَوْلُ الْآخَرِ مِثْلُهُ وَفِيهِ: إِلَى أَنْ نَوَّرَ الْفَلَقُ بَدَلَ قَدَّرَ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ فِي قُوَّةِ الْإِقْسَامِ بِرَبِّ الْكَوْنِ كُلِّهِ يَتَفَلَّقُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. وَهَذَا عَامٌّ وَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ، حَتَّى قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ إِبْلِيسَ وَجَهَنَّمَ مِمَّا خَلَقَ.
وَلِلْمُعْتَزِلَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَلَامٌ حَوْلَ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ الشَّرَّ، وَقَالُوا: كَيْفَ يَخْلُقُهُ وَيُقَدِّرُهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ مِمَّا خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ؟
وَأُجِيبَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأُعُوذُ بِكَ مِنْكَ» .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [13 \ 16] .
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ، ئيمُنَاقَشَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مُنَاظَرَةِ الْإِسْفَرَايِينيِّ مَعَ الْجِبَائِيِّ فِي الْقَدَرِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ إِلَّا بِمَشِيئَةِ الْخَالِقِ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ.ُُ