بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ النَّصْر
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ.
فِيهِ ذِكْرُ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ، مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُرْتَبِطٌ بِالْآخَرِ: فَمَعَ كُلِّ نَصْرٍ فَتْحٌ، وَمَعَ كُلِّ فَتْحٍ نَصْرٌ.
فَهَلْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ أَمْ لَا؟
كَمَا جَاءَ النَّصْرُ مُضَافًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْفَتْحُ مُطْلَقًا.
أَوْلًا: اتَّفَقُوا عَلَى نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ.
وَمَعْلُومٌ: أَنَّهُ سَبَقَ فَتْحَ مَكَّةَ عِدَّةُ فُتُوحَاتٍ.
مِنْهَا فَتْحُ خَيْبَرَ، وَمِنْهَا صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَتْحًا فِي قَوْلِهِ: فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا [48 \ 27] .
وَالنَّصْرُ يَكُونُ فِي مَعَارِكِ الْقِتَالِ وَيَكُونُ بِالْحُجَّةِ وَالسُّلْطَانِ، وَيَكُونُ بِكَفِّ الْعَدُوِّ، كَمَا فِي الْأَحْزَابِ. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا [33 \ 25] .
وَكَمَا فِي الْيَهُودِ قَوْلُهُ: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [33 \ 26 - 27] .
فَالنَّصْرُ حَقٌّ مِنَ اللَّهِ: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [3 \ 126] .
وَقَدْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ، كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [2 \ 214] ، فَهُمْ يَتَطَلَّعُونَ إِلَى النَّصْرِ.