الْمَجْدُ فِي الْمُنْتَقَى، وَقَالَ: رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيُّ.
وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَذْرُعًا قِيلَ ثَلَاثِينَ، وَقِيلَ ثَمَانِينَ، وَقِيلَ مِائَةً. فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ، فَقَالَ: فَضَاعَ بَعْضُهَا، فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضْمَنَهَا لَهُ، فَقَالَ: أَنَا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ أَرْغَبُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ أَنَّ ضَمَانَهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ تَلِفَتْ أَوْ بِمِثْلِهَا، إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِمَا جَاءَ فِي قَصْعَةِ حَفْصَةَ لَمَّا ضَرَبَتْهَا عَائِشَةُ فَسَقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَانْكَسَرَتْ، وَانْتَثَرَ الطَّعَامُ، فَأَخَذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْعَةَ عَائِشَةَ وَرَدَّهَا إِلَى حَفْصَةَ، وَقَالَ: «قَصْعَةٌ بِقَصْعَةٍ، وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ» أَيْ أَنَّ الضَّمَانَ إِمَّا بِالْمِثْلِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ بِالْقِيمَةِ إِنْ كَانَ مُقَوَّمًا.
وَإِذَا كَانَتِ الْعَارِيَةُ مَضْمُونَةً وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ، فَلِلْمُسْتَعِيرِ طَلَبُ رَدِّهَا مَتَى شَاءَ، إِلَّا إِذَا تَعَلَّقَتْ بِهَا مَصْلَحَةُ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهَا إِلَّا بِمَضَرَّةٍ عَلَيْهِ.
قَالُوا: كَمَنْ أَعَارَ سَفِينَةً وَتَوَسَّطَ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ عُرْضَ الْبَحْرِ، فَلَا يَمْلِكُ الْمُعِيرُ رَدَّهَا لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ وَسْطَ الْبَحْرِ.
وَقِيلَ: لَهُ طَلَبُهَا، وَتَكُونُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ.
وَكَالَّذِي أَعَارَ أَرْضًا لِلزَّرْعِ، وَقَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ يَطْلُبُهَا صَاحِبُهَا، وَهَكَذَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
حُكْمُ مَنْ جَحَدَ الْعَارِيَةَ
إِنَّ حَدِيثَ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ مَشْهُورٌ، وَهُوَ أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَاشْتُهِرَتْ بِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهَا سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ فِي السَّرِقَةِ، لَا فِي جَحْدِ الْمَتَاعِ الْمُسْتَعَارِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّخَفِّي وَمِنْ حِرْزٍ.
وَالِاسْتِعَارَةُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [4 \ 58] .
وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» .