وَهُنَا حَثَّ عَلَى أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُورِثُ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ وَالسَّعَادَةَ الدَّائِمَةَ فِي صُورَةٍ مُمَاثِلَةٍ، وَهِيَ عَدْوُهُمْ أَشْتَاتًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِتَحْصِيلِ ذَاكَ الْعَمَلِ الَّذِي يُحِبُّونَ رُؤْيَتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ نُصْرَةُ دِينِ اللَّهِ أَوِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ.
هَذَا الْجَوَابُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْكَنُودُ: الْكَفُورُ الْجُحُودُ لِنِعَمِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَذْكُرُ الْمَصَائِبَ وَيَنْسَى النِّعَمَ، أَخَذَهُ الشَّاعِرُ فَنَظَمَهُ:
أَيَا أَيُّهَا الظَّالِمُ فِي فِعْلِهِ ... وَالظُّلْمُ مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ ظَلَمْ
إِلَى مَتَى أَنْتَ وَحَتَّى مَتَى ... تَشْكُو الْمُصِيبَاتِ وَتَنْسَى النِّعَمْ
وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَنُودُ هُوَ الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ، وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ، وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ» .
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُبَشِّرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ نَزَلَ وَحْدَهُ، وَمَنَعَ رِفْدَهُ، وَجَلَدَ عَبْدَهُ» خَرَّجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ.
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: «الْكَنُودُ بِلِسَانِ كِنْدَةَ وَحَضْرَمَوْتَ: الْعَاصِي، وَبِلِسَانِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ: الْكَفُورُ، وَبِلِسَانِ كِنَانَةَ: الْبَخِيلُ السَّيِّئُ الْمَلَكَةِ» .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَقَالَ الشَّاعِرُ:
كَنُودٌ لِنَعْمَاءِ الرِّجَالِ وَمَنْ يَكُنْ ... كَنُودًا لِنَعْمَاءِ الرِّجَالِ يُبْعَدُ
أَيْ: كَفُورٌ.
ثُمَّ قِيلَ: هُوَ الَّذِي يَكْفُرُ الْيَسِيرَ، وَلَا يَشْكُرُ الْكَثِيرَ.
وَقِيلَ: الْجَاحِدُ لِلْحَقِّ.
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ كِنْدَةُ كِنْدَةً ; لِأَنَّهَا جَحَدَتْ أَبَاهَا.ُُ