السُّورَةِ فِي مَعْرِضِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَإِذَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَإِذَا قَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْآتِي تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمُ الَّتِي عَمِلُوهَا مِنْ قَبْلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [78 \ 40] ، وَقَوْلِهِ: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا [18 \ 49] .
ثُمَّ جَاءَ الِالْتِفَاتُ بِمُخَاطَبَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ وَالتَّحْذِيرِ، فَمَنْ يَعْمَلِ الْآنَ فِي الدُّنْيَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلِ الْآنَ فِي الدُّنْيَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَمِثْقَالُ الذَّرَّةِ، قِيلَ: هِيَ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ، لِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
مِنَ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفَ لَوْ دَبَّ مُحْوِلٌ ... مِنَ الذَّرِّ فَوْقَ الْإِتْبِ مِنْهَا لَأَثَّرَا
وَالْإِتْبُ: قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْإِتْبُ بِالْكَسْرِ، وَالْمِئْتَبَةُ كَمِكْنَسَةٍ بُرْدٌ يُشَقُّ، فَتَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ جَيْبٍ وَلَا كُمَّيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ الْهَبَاءُ الَّتِي تُرَى فِي أَشِعَّةِ الشَّمْسِ، وَكِلَاهُمَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ إِيضَاحٍ لِكَيْفِيَّةِ الْوَزْنِ فِي سُورَةِ الْقَارِعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَلَعَلَّ ذِكْرَ الذَّرَّةِ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لِمَعْرِفَتِهِمْ لِصِغَرِهَا ; لِأَنَّهُ تَعَالَى عَمَّمَ الْعَمَلَ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [78 \ 40] ، أَيًّا كَانَ هُوَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ أَوْ مَثَاقِيلَ الْقَنَاطِيرِ، وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ صَرِيحًا بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [10 \ 61] .
وَهُنَا تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ مِنْ نَاحِيَةِ الْأُصُولِ، وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ عَلَى مِثْقَالِ الذَّرَّةِ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، فَلَا يَمْنَعُ رُؤْيَةَ مَثَاقِيلِ الْجِبَالِ، بَلْ هِيَ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَهَذَا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا يُسَمَّى الْإِلْحَاقُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنَ الْمَنْطُوقِ بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مُسَاوِيًا لَهُ، فَمِنَ الْأَوَّلِ هَذِهِ الْآيَةُ وَقَوْلُهُ: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا [17 \ 23] ، وَمِنَ الْمُسَاوِي قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [4 \ 10] ، فَإِنَّ إِحْرَاقَ مَالِهِ وَإِغْرَاقَهُُُ