عَلَى الْفِدَاءِ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ، وَكَانَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مُفَادَاتُهُ أَنْ يُعَلِّمَ عَشَرَةً مِنَ الْغِلْمَانِ الْكِتَابَةَ، فَكَثُرَتِ الْكِتَابَةُ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَكَانَ مِمَّنْ تَعَلَّمَ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَغَيْرُهُ.
فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ فِي بَادِئِ أَمْرِهِمْ وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَى الْمَالِ وَالسِّلَاحِ، بَلْ وَاسْتِرْقَاقِ الْأُسَارَى، فَيُقَدِّمُونَ تَعْلِيمَ الْغِلْمَانِ الْكِتَابَةَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، لَيَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: شِدَّةُ وَزِيَادَةُ الْعِنَايَةِ بِالتَّعْلِيمِ.
وَثَانِيهِمَا: جَوَازُ تَعْلِيمِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالدِّينِ، كَمَا يُوجَدُ الْآنَ مِنَ الْأُمُورِ الصِّنَاعِيَّةِ، فِي الْهَنْدَسَةِ، وَالطِّبِّ، وَالزِّرَاعَةِ، وَالْقِتَالِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ كَثُرَ الْمُتَعَلِّمُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، حَتَّى كَانَ عَدَدُ كُتَّابِ الْوَحْيِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ رَجُلًا، ثُمَّ كَانَ انْتِشَارُ الْكِتَابَةِ مَعَ الْإِسْلَامِ، وَجَاءَ النَّصُّ عَلَى الْكِتَابَةِ فِي تَوْثِيقِ الدِّينِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ الْآيَةَ [2 \ 282] ، وَهِيَ أَطْوَلُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى رُسِمَتْ فِيهَا كِتَابَةُ الْعَدْلِ الْحَدِيثَةُ كُلُّهَا.
وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُ الْقَلَمِ وَتَعَلُّمُهُ، فَقَدْ وَقَعَ الْكَلَامُ فِي تَعْلِيمِهِ لِلنِّسَاءِ عَلَى أَنَّهُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ فِي التَّكْلِيفِ وَالْعِلْمِ، فَهَلْ كُنَّ كَذَلِكَ فِي تَعَلُّمِ الْكِتَابَةِ أَمْ لَا؟
مَبْحَثُ تَعْلِيمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ
وَقَعَ الْخِلَافُ بِسَبَبِ نَصَّيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ:
الْأَوَّلُ: حَدِيثُ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ، فَقَالَ لِي: أَلَا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ؟» رَوَاهُ الْمَجْدُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ.
وَالثَّانِي: حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا: «لَا تُنْزِلُوهُنَّ الْغُرَفَ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَةَ يَعْنِي النِّسَاءَ، وَعَلِّمُوهُنَّ الْغَزْلَ وَسُورَةَ النُّورِ» قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ، عَلَى حَدِيثِ الْمُنْتَقَى وَحَدِيثِ عَائِشَةَ: إِنَّ حَدِيثَ الشِّفَاءِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيمِهِنَّ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُخْشَى مِنْ تَعْلِيمِهَا الْفَسَادُ، أَعْنِي تَعْلِيمَ الْكِتَابَةِ وَالْقِرَاءَةِ.