15

وَهُوَ كَمَا هُوَ هُنَا: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [92 \ 14 - 16] ، وَهُوَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى [92 \ 8 - 9] ، مِمَّا يَدُلُّ أَنَّ لِلنَّارِ عِدَّةَ حَالَاتٍ أَوْ مَنَاطِقَ أَوْ مَنَازِلَ، كُلُّ مَنْزِلَةٍ تَخْتَصُّ بِصِنْفٍ مِنَ النَّاسِ، فَاخْتَصَّتْ لَظَى بِهَذَا الصِّنْفِ، وَاخْتَصَّتْ سَقَرُ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَكَانُوا يَخُوضُونَ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [4 \ 145] ، كَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ مَنَازِلٌ وَدَرَجَاتٌ، حَسَبَ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى

هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِيهَامِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ، وَهُوَ أَنَّهَا تَنُصُّ وَعَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ، أَنَّهُ لَا يَصْلَى النَّارَ إِلَّا الْأَشْقَى مَعَ مَجِيءِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [19 \ 71] ; مِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُرُودِ الْجَمِيعِ.

وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّ الْآيَةَ بَيْنَ حَالِيْ عَظِيمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَظِيمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأُرِيدَ أَنْ يُبَالَغَ فِي صِفَتَيْهِمَا الْمُتَنَاقِضَتَيْنِ.

فَقِيلَ: الْأَشْقَى وَجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالصَّلَى، كَأَنَّ النَّارَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُ، وَقَالَ الْأَتْقَى، وَجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالْجَنَّةِ، وَكَأَنَّ الْجَنَّةَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُ، وَقِيلَ عَنْهُمَا: هُمَا أَبُو جَهْلٍ، أَوْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ الْمُشْرِكَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الصَّلَى الدُّخُولُ وَالشَّيْءَ، وَأَنْ يَكُونَ وَقُودُ النَّارِ عَلَى سَبِيلِ الْخُلُودِ، وَالْوُرُودُ وَالدُّخُولُ الْمُؤَقَّتُ بِزَمَنٍ غَيْرِ الصَّلَى ; لِقَوْلِهِ فِي آيَةِ الْوُرُودِ، الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [19 \ 71] ، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [19 \ 72] ، وَيَبْقَى الْإِشْكَالُ، بَيْنَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَبَيْنَ الْأَتْقَى، وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ التَّقِيَّ يَرِدُ، وَالْأَتْقَى لَا يَشْعُرُ بِوُرُودِهَا، كَمَنْ يَمُرُّ عَلَيْهَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَلَوْلَا التَّأْكِيدُ فِي آيَةِ الْوُرُودِ بِالْمَجِيءِ بِحَرْفِ " مِنْ " وَ " إِلَّا "، وَقَوْلِهِ: كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، لَوْلَا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015