تِلْكَ الْمُسَمَّيَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ ذَاتِهَا وَقُوَّةِ دَلَالَتِهَا عَلَى قُدْرَةِ خَالِقِهَا، وَمَا سِوَاهَا مُسْتَعِدَّةٌ قَابِلَةٌ لِتَلَقِّي إِلْهَامِ اللَّهِ إِيَّاهَا.
تَنْبِيهٌ.
وَفِي مَجِيئِهَا بَعْدَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ ; مِنْ شَمْسٍ، وَقَمَرٍ، وَلَيْلٍ، وَنَهَارٍ، وَسَمَاءٍ، وَأَرْضٍ، لَفْتٌ إِلَى وُجُوبِ التَّأَمُّلِ فِي تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ، يَسْتَلْهِمُ مِنْهَا الدَّلَالَةَ عَلَى قُدْرَةِ خَالِقِهَا، وَالِاسْتِدْلَالَ عَلَى تَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ، وَحَرَكَةِ الْأَفْلَاكِ، وَإِحْدَاثِ السَّمَاءِ بِالْبِنَاءِ ; أَنَّهُ لَا بُدَّ لِهَذَا الْعَالَمِ مِنْ صَانِعٍ، وَلَا بُدَّ لِلْمُحْدَثِ الْمُتَجَدِّدِ مِنْ فِنَاءٍ وَعَدَمٍ.
كَمَا عَرَضَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النُّمْرُوذِ نَمَاذِجَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، فَأَشَارَ إِلَى الشَّمْسِ أَوَّلًا، ثُمَّ إِلَى الْقَمَرِ، ثُمَّ انْتَقَلَ بِهِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
وَقَوْلُهُ: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، إِنْ كَانَ «أَلْهَمَهَا» بِمَعْنَى هَدَاهَا وَبَيَّنَ لَهَا، فَهُوَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [90 \ 10] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ [76 \ 3] ، وَهَذَا عَلَى الْهِدَايَةِ الْعَامَّةِ، الَّتِي بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ وَالْبَيَانِ.
وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى التَّيْسِيرِ وَالْإِلْزَامِ، فَفِيهِ إِشْكَالُ الْقَدَرِ فِي الْخَيْرِ الِاخْتِيَارِ.
وَقَدْ بَحَثَ هَذَا الْمَعْنَى الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ بَحْثًا وَافِيًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا
هَذَا هُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَالْوَاوُ قَدْ حُذِفَتْ مِنْهُ اللَّامُ ; لِطُولِ مَا بَيْنَ الْمُقْسَمِ بِهِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ نَوَّهَ عَنْهُ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [38 \ 64] ، مِنْ سُورَةِ «ص» ، وَأَنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا لِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْهِ.
وَالْأَصْلُ: لَقَدْ أَفْلَحَ، فَحُذِفَتِ اللَّامُ لِطُولِ الْفَصْلِ، وَ «زَكَّاهَا» بِمَعْنَى طَهَّرَهَا، وَأَوَّلُ مَا يُطَهِّرُهَا مِنْهُ دَنَسُ الشِّرْكِ وَرِجْسُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [9 \ 28] ، وَتَطْهِيرُهَا مِنْهُ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ مِنَ الْمَعَاصِي بِالتَّقْوَى، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [53 \ 32] ، ثُمَّ بِعَمَلِ الطَّاعَاتِ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [87 \ 14 - 15] .