فَمَنْ خَافَهُ فِي الدُّنْيَا أَمَّنَهُ فِي الْآخِرَةِ: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [55 \ 46] .
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [79 \ 40 - 41] .
وَمِنْ أَمِنَ مَكْرَ اللَّهِ، وَقَضَى كُلَّ شَهَوَاتِهِ، وَكَانَ لَا يُبَالِي فَيُؤْتَى كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ وَيَصْلَى سَعِيرًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [56 \ 41 - 47] ، تَكْذِيبًا لِلْبَعْثِ.
وَقَوْلُهُ هَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ، هَذَا الظَّنُّ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْمُطَفِّفِينَ: أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [83 \ 4 - 5] ، مِمَّا يُشْعِرُ أَنَّ عَدَمَ الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ أَوِ الشَّكَّ فِيهِ هُوَ الدَّافِعُ لِكُلِّ سُوءٍ وَالْمُضَيِّعُ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ هُوَ الْمُنْطَلَقُ لِكُلِّ خَيْرٍ وَالْمَانِعُ لِكُلِّ شَرٍّ، وَالْإِيمَانُ بِالْبَعْثِ هُوَ مُنْطَلَقُ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَمَا فِي مُسْتَهَلِّ الْمُصْحَفِ: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [2 \ 2] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ
الشَّفَقُ لُغَةً: رِقَّةُ الشَّيْءِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُقَالُ شَيْءٌ شَفِيقٌ، أَيْ: لَا تَمَاسُكَ لَهُ لِرِقَّتِهِ، وَأَشْفَقَ عَلَيْهِ أَيْ: رَقَّ قَلْبُهُ عَلَيْهِ، وَالشَّفَقَةُ الِاسْمُ مِنَ الْإِشْفَاقِ وَهُوَ رِقَّةُ الْقَلْبِ، وَكَذَلِكَ الشَّفَقُ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
تَهْوَى حَيَاتِي وَأَهْوَى مَوْتَهَا شَفَقَا ... وَالْمَوْتُ أَكْرَمُ نَزَّالٍ عَلَى الْحَرَمِ
فَالشَّفَقُ بَقِيَّةُ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَحُمْرَتُهَا، فَكَأَنَّ تِلْكَ الرِّقَّةَ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ.
وَنُقِلَ عَنِ الْخَلِيلِ: الشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِذَا ذَهَبَ، قِيلَ: غَابَ الشَّفَقُ. اهـ.