وَمِنْهَا يَوْمُ الْإِثْنَيْنِ كَمَا أَسْلَفْنَا، فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صِيَامِهِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، فَقَالَ: «هَذَا يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَعَلَيَّ فِيهِ أُنْزِلَ» ، وَكَانَ يَوْمَ وُصُولِهِ الْمَدِينَةَ فِي الْهِجْرَةِ، وَكَانَ يَوْمَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَدِ احْتَفَى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسَبَّبَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَكُلُّهَا أَحْدَاثٌ عِظَامٌ وَمُنَاسَبَاتٌ جَلِيلَةٌ.

فَيَوْمُ مَوْلِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَتْ مَظَاهِرُ كَوْنِيَّةٌ ابْتِدَاءً مِنْ وَاقِعَةِ أَبْرَهَةَ، وَإِهْلَاكِ جَيْشِهِ إِرْهَاصًا بِمَوْلِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ ظُهُورُ نَجْمٍ بَنِي الْخِتَانِ، وَحَدَّثَتْ أُمُّهُ وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ فِيمَا قِيلَ: أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقِيلَ لَهَا: «إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ فَقُولِي:

أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدِ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ

ثُمَّ سَمِّيهِ مُحَمَّدًا» ، وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَّهَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ رَأَتْ بِهِ قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ.

وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ وَهُوَ غُلَامٌ سَمِعَ يَهُودِيًّا يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ عَلَى أُطْمَةٍ بِيَثْرِبَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، قَالُوا: وَيْلَكَ! مَا لَكَ؟ ، قَالَ: طَلَعَ اللَّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ.

وَسَاقَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَارِيخِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي خَصَائِصِهِ، وَابْنُ هِشَامٍ فِي سِيرَتِهِ أَخْبَارًا عَدِيدَةً مِمَّا شَهِدَهُ الْعَالَمُ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نُوجِزُ مِنْهَا الْآتِي:

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: أَنَّ أُمَّهُ حَضَرَتْ مَوْلِدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَتْ: فَمَا شَيْءٌ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي الْبَيْتِ إِلَّا نُورٌ، وَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى النُّجُومِ تَدْنُو حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: لَيَقَعْنَ عَلَيَّ.

وَعَنْ أَبِي الْحَكَمِ التَّنُوخِيِّ، قَالَ: كَانَ الْمَوْلُودُ إِذَا وُلِدَ فِي قُرَيْشٍ دَفَعُوهُ إِلَى نِسْوَةٍ إِلَى الصُّبْحِ يَكْفَأْنَ عَلَيْهِ بُرْمَةً، فَأَكْفَأْنَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُرْمَةً، فَانْفَلَقَتْ عَنْهُ، وَوُجِدَ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ، شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ.

وَقَدْ كَانَ لِمَوْلِدِهِ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْكَوْنِيَّةِ مَا لَفَتَ أَنْظَارَ الْعَالَمِ كُلِّهِ.

ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْهَا انْكِفَاءَ الْأَصْنَامِ عَلَى وُجُوهِهَا، وَارْتِجَاسَ إِيوَانِ كِسْرَى، وَسُقُوطَ بَعْضِ شُرَفِهِ، وَخُمُودَ نَارِ فَارِسَ، وَلَمْ تُخْمَدْ قَبْلَهَا، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ إِرْهَاصٌ بِتَكْسِيرِ الْأَصْنَامِ وَانْتِشَارِ الْإِسْلَامِ، وَدُخُولِ الْفُرْسِ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015