بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَجِيءُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ أَوِ التَّقْرِيرِيِّ، بَعْدَ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى، وَسَوْقُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْعَظِيمَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ، فِيهِ رَدٌّ عَلَى إِنْكَارٍ ضِمْنِيٍّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُجُودَهُ سُدًى، وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ إِلَّا مَنِ اسْتَبْعَدَ الْبَعْثَ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِالْبَعْثِ لَآمَنَ بِالْجَزَاءِ وَاعْتَرَفَ بِالسُّؤَالِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ عَبَثًا، وَلَنْ يُتْرَكَ سُدًى. وَلَكِنْ لَمَّا أَنْكَرَ الْبَعْثَ ظَنَّ وَحَسِبَ أَنَّهُ يُتْرَكُ سُدًى، فَجَاءَ تَذْكِيرُهُ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ وَتَطَوُّرِهِ لِيَسْتَخْلِصَ مِنْهُ اعْتِرَافَهُ ; لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ مَنِيِّ يُمْنَى، وَتَطْوِيرِهِ إِلَى عَلَقَةٍ ثُمَّ إِلَى خَلْقٍ سَوِيٍّ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى بَعْثِهِ مَرَّةً أُخْرَى.

وَقَدْ بَيَّنَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - هَذِهِ الْأَطْوَارَ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ، وَأَحَالَ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى [53 \ 45 - 47] فِي سُورَةِ «النَّجْمِ» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015