تَنْبِيهٌ ثَالِثٌ.

يُوجَدُ فَرْقٌ بِصِفَةٍ إِجْمَالِيَّةٍ عَامَّةٍ بَيْنَ زِيَارَةِ عُمُومِ الْمَقَابِرِ لِعَامَّةِ النَّاسِ، وَخُصُوصِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ الثَّلَاثَةِ. إِذِ الْغَرَضُ مِنْ زِيَارَةِ عَامَّةِ الْمَقَابِرِ هُوَ الدُّعَاءُ لَهَا، وَتَذَكُّرُ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا ; فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ ".

أَمَّا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْمُشَرَّفَةُ، فَلَهَا خَصَائِصُ لَمْ يُشَارِكْهَا فِيهَا غَيْرُهَا:

أَوَّلًا: وَمِنْ حَيْثُ الْمَوْضُوعُ: ارْتِبَاطُهَا بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي مِنْ حَقِّهَا شَدُّ الرَّحَالِ إِلَيْهَا.

ثَانِيًا: عَظِيمُ حَقِّ مَنْ فِيهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، إِذْ بِزِيَارَتِهِمْ لَا بِتَذَكُّرِ الْآخِرَةِ فَحَسْبُ، بَلْ وَيَسْتَفِيدُ ذِكْرَيَاتِ الدُّنْيَا وَعَظِيمَ جِهَادِهِمْ فِي سَبِيلِ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَنُصْرَةِ دِينِهِ، وَهِدَايَةِ الْأُمَّةِ، وَالْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ، حَتَّى عُبِدَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَعُمِلَ بِشَرْعِهِ، فِيمَا يُثِيرُ إِحْسَاسَ الْمُسْلِمِ وُجُوبَ تَجْدِيدِ الْعَهْدِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ عَلَى الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَدْيِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -.

وَهَذَا مَا يَجْعَلُ الْإِنْسَانَ يَتَوَجَّهُ إِلَى اللَّهِ عَقِبَ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ بِخَالِصِ الدُّعَاءِ، أَنْ يَجْزِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا يَعْلَمُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ أَهْلٌ لَهُ.

ثَالِثًا: عَظِيمُ الْفَضْلِ مِنَ اللَّهِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُوحَهُ فَيَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَكُلُّ ذَلِكَ أَوْ بَعْضُهُ لَا يُوجَدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَقَابِرِ. وَهَذَا مَعَ مُرَاعَاةِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الزِّيَارَةِ لِمَا تَقَدَّمَ.

مَسْأَلَةٌ.

فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [72 \ 18] ، جَمَعَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ، فَكَأَنَّ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى الثَّانِيَةِ بِمَفْهُومِهَا، وَكَأَنَّ الثَّانِيَةَ تَكُونُ مَنْطُوقَ الْأُولَى ; لِأَنَّ كَوْنَ الْمَسَاجِدِ لِلَّهِ يَقْتَضِي إِفْرَادَهُ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ وَأَلَّا يُدْعَى مَعَهُ أَحَدٌ.

أَمَّا إِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ، فَقَدْ كَتَبَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - عَلَى ذَلِكَ مَبْحَثًا كَامِلًا فِي سُورَةِ " الْحُجُرَاتِ " فِي مَسْأَلَةٍ مِنَ الْمَسَائِلِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [49 \ 2] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015