فَمَنْ سَافَرَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَوْ مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَصَلَّى فِي مَسْجِدِهِ وَصَلَّى فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَزَارَ الْقُبُورَ كَمَا قَضَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهَذَا هُوَ الَّذِي عَمِلَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ.

وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا السَّفَرَ، فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.

وَأَمَّا مَنْ قَصَدَ السَّفَرَ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ الْقَبْرِ وَلَمْ يَقْصِدِ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ، وَسَافَرَ إِلَى مَدِينَتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، بَلْ أَتَى الْقَبْرَ ثُمَّ رَجَعَ ; فَهَذَا مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ، مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِإِجْمَاعِ أَصْحَابِهِ، وَلِعُلَمَاءِ الْأُمَّةِ.

وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الْقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا أَجْرَ لَهُ.

وَالَّذِي يَفْعَلُهُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الزِّيَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الدُّخُولِ لِلْمَسْجِدِ وَفِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَذَكَرْتُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى صَاحِبَيْهِ. اهـ.

فَأَيُّ مُوجِبٍ لِنِزَاعٍ أَوْ خِلَافٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ، فَإِنْ كَانَ فِي قَوْلِهِ فِيمَنْ قَصَدَ السَّفَرَ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ الْقَبْرِ، وَلَمْ يَقْصِدِ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ، وَسَافَرَ إِلَى مَدِينَتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا سَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ بَلْ أَتَى الْقَبْرَ ثُمَّ رَجَعَ ; فَهَذَا مُبْتَدِعٌ. . إلخ.

فَمَنْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُجِيزُ لِمُسْلِمٍ: أَنْ يَشُدَّ رَحْلَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ ; لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ الْقَبْرِ دُونَ قَصْدِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدُونَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَلْفِ صَلَاةٍ.

فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ زِيَارَةَ الْقَبْرِ وَالصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ مُرْتَبِطَتَانِ، وَمَنِ ادَّعَى انْفِكَاكَهُمَا عَمَلِيًّا فَقَدْ خَالَفَ الْوَاقِعَ، وَإِذَا ثَبَتَتِ الرَّابِطَةُ بَيْنَهُمَا انْتَفَى الْخِلَافُ وَزَالَ مُوجِبُ النِّزَاعِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ص 346 فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ لِزِيَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ عَنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ. الثَّالِثُ مِنْهَا: تُقْصَرُ إِلَى قَبْرِ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

وَقَالَ فِي التَّعْلِيلِ لِهَذَا الْقَوْلِ: إِذَا كَانَ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ لَا بُدَّ أَنْ يُصَلُّوا فِي مَسْجِدِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015