ثُمَّ بَنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى بِالْبِنَاءِ بَعْدَ عَوْدَتِهِ مِنْ تَبُوكَ.

وَلِهَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتِ لِهَذِهِ الْمَسَاجِدِ الْأَرْبَعَةِ، تَمَيَّزَتْ عَنْ عُمُومِ الْمَسَاجِدِ كَمَا قَدَّمْنَا.

وَمِنْ أَهَمِّ ذَلِكَ مُضَاعَفَةُ الْأَعْمَالِ فِيهَا، أَصْلُهَا الصَّلَاةُ، كَمَا بَوَّبَ لِهَذَا الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ: بَابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَيْنِ.

الْأَوَّلُ حَدِيثُ: «لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» .

كَمَا اخْتُصَّ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ بِرَوْضَتِهِ، الَّتِي هِيَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.

وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ» .

وَاخْتُصَّ مَسْجِدُ قُبَاءٍ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ» ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ بِسَنَدٍ.

قَالَ فِي وَفَاءِ الْوَفَاءِ: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ حَيَامٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الرُّقَيْشِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: جَاءَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى بَعْضِ هَذِهِ السَّوَارِي، ثُمَّ سَلَّمَ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! : مَا أَعْظَمَ حَقَّ هَذَا الْمَسْجِدِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ كَانَ أَهْلًا أَنْ يُؤْتَى، مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُهُ مُعْتَمِدًا إِلَيْهِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَقْلَبَهُ اللَّهُ بِأَجْرِ عُمْرَةٍ.

وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحِمَنِ بْنُ الْحَكَمِ فِي شِعْرٍ لَهُ:

فَإِنْ أَهْلِكْ فَقَدْ أَقْرَرْتُ عَيْنًا ... مِنَ الْمُعْتَمِرَاتِ إِلَى قُبَاءٍ

مِنَ اللَّائِي سَوَالِفُهُنَّ غِيدٌ ... عَلَيْهِنَّ الْمَلَاحَةُ بِالْبَهَاءِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015