تَنْبِيهٌ.
وَالْجَدِيرُ بِالذِّكْرِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يَقُولُ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَمَذْهَبٍ لِطَائِفَةٍ مَا، إِلَّا الشِّيعَةُ بِصَرْفِ النَّظَرِ عَمَّنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَكِنَّ الشِّيعَةَ أَنْفُسَهُمْ شِبْهُ مُتَنَاقِضِينَ فِي كُتُبِهِمْ، إِذْ يَنُصُّ الْحُلَلِيُّ - وَهُوَ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ - فِي بَابِ النِّكَاحِ: أَنَّ لِلْحُرِّ وَلِلْعَبْدِ عَلَى السَّوَاءِ أَنْ يَنْكِحَ نِكَاحًا مُؤَقَّتًا، وَهُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ، بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ مِنَ النِّسَاءِ وَبِدُونِ حَدٍّ، فَجَعَلَ هَذَا الْعَقْدَ كَمِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا حُرَّةٌ، وَهَذَا مُتَنَاقِضٌ.
وَفِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، قَالَ: إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَا يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِلَّا أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فِي نِكَاحٍ دَائِمٍ وَلَيْسَ مُؤَقَّتًا.
وَهُنَا يُقَالُ لَهُمْ: إِمَّا أَنْ تَعْتَدُّوا بِنِكَاحِهَا الثَّانِي الْمُؤَقَّتِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [2 \ 230] ، فَإِنِ اعْتَبَرْتُمُوهُ نِكَاحًا لَزِمَ إِحْلَالُهَا بِهِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ لَمْ تَعْتَبِرُوهُ نِكَاحًا لَزِمَكُمُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ مُبْتَغِي وَرَاءَ ذَلِكَ، أَيْ: أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمُ الْعَادُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ
تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ مَبْحَثِ: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ [21 \ 78] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ
قُرِئَ " بِشَهَادَاتِهِمْ " بِالْجَمْعِ، وَقُرِئَ " بِشَهَادَتِهِمْ " بِالْإِفْرَادِ، فَقِيلَ: إِنَّ الْإِفْرَادَ يُؤَدِّي مَعْنَى الْجَمْعِ لِلْمَصْدَرِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [31 \ 19] . فَأَفْرَدَ فِي الصَّوْتِ مُرَادًا بِهِ الْأَصْوَاتُ.
وَقِيلَ: الْإِفْرَادُ لِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ مُقِيمُونَ عَلَيْهَا. وَالْجَمْعُ لِتَنَوُّعِ الشَّهَادَاتِ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقِهَا، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ; فَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [41 \ 30] .