بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الْمُلْكِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - مَعْنَى تَبَارَكَ، وَذَكَرَ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ وَاخْتِلَافَهُمْ فِي مَعْنَاهَا. وَرَجَّحَ أَنَّهُ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَالِاشْتِقَاقِ أَنَّهُ تَفَاعُلٌ مِنَ الْبَرَكَةِ، وَالْمَعْنَى: تَكَاثَرَتِ الْبَرَكَاتُ وَالْخَيْرَاتُ مِنْ قَبْلِهِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ عَظَمَتَهُ وَتَقْدِيسَهُ. . إِلَخْ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَنْبِيهًا فِي عَدَمِ تَصْرِيفِهَا وَاخْتِصَاصِهَا بِاللَّهِ تَعَالَى. وَإِطْلَاقُ الْعَرَبِ إِيَّاهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ فِي إِمْلَائِهِ: الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ. أَيْ: نُفُوذُ الْمَقْدُورِ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَتَصَرَّفُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يَشَاءُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. اهـ.
وَالتَّقْدِيمُ لِلْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ هُنَا بِالصِّفَةِ الْخَاصَّةِ بِهِ تَعَالَى، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: تَبَارَكَ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ الْمَوْصُولِ.
وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [36 \ 83] ; لِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِالتَّسْبِيحِ وَهُوَ التَّنْزِيهُ يُسَاوِي التَّقْدِيمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: تَبَارَكَ، وَالْمَوْصُولُ بَعْدَ التَّسْبِيحِ بِصِلَتِهِ كَالْمَوْصُولِ بَعْدَ تَبَارَكَ وَصِلَتِهِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي إِمْلَائِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَلِكِ وَالْمَالِكِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ [59 \ 23] ، وَهُنَا تَجْتَمِعُ الصِّفَتَانِ، فَالَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَمَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ الْمَالِكُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.
تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِمَا يُوَضِّحُهَا مِنْ