يُرَاجِعَهَا، وَلْيَعْمَلْ كَمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ، أَيْ: لِتَسْتَقْبِلْ عِدَّتَهَا مَا لَمْ تَكُنِ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ أَوْ بِالثَّلَاثِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنِ الِاعْتِدَادِ بِهَذِهِ الطَّلْقَةِ فِي الْحَيْضَةِ فَقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيُرَاجِعْهَا» ، يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِدَادِ بِهَا ; لِأَنَّهُ لَا رَجْعَةَ إِلَّا مِنْ طَلَاقٍ.
وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي إِحْكَامِ الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا دَاعِيَ إِلَى سَرْدِهِ، وَحَاصِلُهُ مَا قَدَّمْنَا، وَلَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا إِلَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ عَلَى إِطْلَاقِهِ يُشْعِرُ بِالِاعْتِدَادِ بِالطَّلَاقِ سُنِّيًّا كَانَ أَوْ بِدْعِيًّا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ.
ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِمْسَاكَ بِمَعْرُوفٍ إِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، مَعَ أَنَّهُنَّ إِذَا بَلَغْنَ إِلَى ذَلِكَ الْحَدِّ خَرَجْنَ مِنَ الْعِدَّةِ وَانْتَهَى وَجْهُ الْمُرَاجَعَةِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا إِذَا قَارَبْنَ أَجَلَهُنَّ وَلَمْ يَتَجَاوَزْنَهُ أَوْ يَصِلْنَ إِلَيْهِ بِالْفِعْلِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [16 \ 98] .
وَمِثْلُ الْآيَةِ الْحَدِيثُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ» ، مَعَ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِتْيَانِ أَوْ أَثْنَاءَهُ لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقُولُهُ إِذَا قَارَبَ دُخُولَهُ، فَكَذَلِكَ هُنَا.
أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا فَقَدْ بَحَثَهَا الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَحْثًا وَافِيًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ [2 \ 229] ، مِمَّا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا.
بَعْدَ الْأَمْرِ بِإِحْصَاءِ الْعِدَّةِ، وَكَوْنِ الْعِدَدِ مُخْتَلِفَةَ الْأَنْوَاعِ مِنْ أَقْرَاءٍ إِلَى أَشْهُرٍ إِلَى وَضْعِ الْحَمْلِ، وَالْمُعْتَدَّاتُ مُتَفَاوِتَاتُ الْأَقْرَاءِ وَأَمَدِ الْحَمْلِ، فَقَدْ تَكُونُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ إِحْصَائِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ حُرْمَةٍ وَحِلِّيَّةٍ، فَتَخْرُجُ مِنْ عِدَّةِ هَذَا وَتَحِلُّ