فَكُلُّهُ يُسَاوِي قَوْلَهُ: وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، لِأَنَّ قَدْ هُنَا لِلتَّحْقِيقِ، وَمَعَ ذَلِكَ يُؤْذُونَهُ بِقَوْلِهِمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، وَيُؤْذُونَهُ بِأَنْ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ حُبَّ الْعِجْلِ وَعِبَادَتَهُ بِكُفْرِهِمْ، وَلِذَا قَالَ لَهُمْ: بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
وَقَدْ جُمِعَ إِيذَاءُ الْكُفَّارِ لِرَسُولِ اللَّهِ مَعَ إِيذَاءِ قَوْمِ مُوسَى لِمُوسَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ الْآيَةَ [4 \ 153] .
وَمِنْ مَجْمُوعِ هَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْإِيذَاءَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ فِي خُصُوصِ الرِّسَالَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُمْ آذَوْهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْإِيذَاءِ فِي شَخْصِهِ، وَفِي مَا جَاءَ بِهِ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا فِي آيَةِ «الْأَحْزَابِ» وَعَاقَبَهُمْ عَلَى إِيذَائِهِ فِيمَا أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْهِمْ بِزَيْغِ قُلُوبِهِمْ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، تَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ «الرُّومِ» ، عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ الْآيَةَ [30 \ 10] .
وَقَالَ: إِنَّ الْكُفْرَ وَالتَّكْذِيبَ قَدْ يُؤَدِّي شُؤْمُهُ إِلَى شَقَاءِ صَاحِبِهِ، وَسَاقَ هَذِهِ الْآيَةَ: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
وَقَوْلَهُ: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [2 \ 10] .
وَأَحَالَ عَلَى سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» عَلَى قَوْلِهِ: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [6 \ 25] .
وَعَلَى سُورَةِ «الْأَعْرَافِ» عَلَى قَوْلِهِ: فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ [7 \ 101] .
وَمِمَّا يَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى الْعَامِّ بِقِيَاسِ الْعَكْسِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [47 \ 17] ، وَأَمْثَالُهَا.
وَمِمَّا يَلْفِتُ النَّظَرَ هُنَا إِسْنَادُ الزَّيْغِ لِلْقُلُوبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ.