وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [4 \ 88 - 89] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ.
الْأَرْحَامُ تُسْتَعْمَلُ فِي الْقُرْآنِ لِعُمُومِ الْقَرَابَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [8 \ 75] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ أَيْ: بِتَقَطُّعِ الْأَنْسَابِ بَيْنَهُمْ، كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ [23 \ 101] .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى نَتِيجَةَ هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [80 \ 34 - 37] ، وَقَوْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ [70 \ 12] ، فَعَمَّتْ جَمِيعَ الْأَقَارِبِ وَبَيَّنَتْ سَبَبَ الْفَصْلِ بَيْنَهُمْ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي ذَوِي أَرْحَامِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، كَمَا فِي قِصَّةِ سَبَبِ النُّزُولِ فِي أَمْرِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ فِي إِرْسَالِهِ الْخِطَابَ لِأَهْلِ مَكَّةَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ بِأَمْرِ التَّجَهُّزِ لَهُمْ.
وَمَفْهُومُ الْوَصْفِ فِي أَوَّلِ السِّيَاقِ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ، وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ، يَدُلُّ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ أُولِي الْأَرْحَامِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَفْهُومِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [52 \ 21] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ لِلْمُؤْمِنِينَ: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [40 \ 8] .
وَهَذِهِ الْآيَةُ بَيَانٌ وَاضِحٌ فِي أَنَّ رَوَابِطَ الدِّينِ أَقْوَى وَأَلْزَمُ مِنْ رَوَابِطِ النَّسَبِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى بِالذَّاتِ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [17 \ 9] وَالْآيَةُ الْآتِيَةُ بَيَانٌ وَاضِحٌ لِحَقِيقَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَشُمُولِهِ فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ.