حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ: «فَيُلْهِمُنِي رَبِّي بِمَحَامِدَ لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهَا مِنْ قَبْلُ» ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ.
لِأَنَّ الْأَوَّلَ: يَتَعَلَّقُ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْجَزَاءِ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: يَتَعَلَّقُ بِبَيَانِ أَقْسَامِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ بِهَا وَتَعْلِيمُهَا وَمَا أُنْزِلُ مِنْهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْجَمْعَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ عِنْدَ بَابِ: لِلَّهِ مِائَةُ اسْمٍ غَيْرَ وَاحِدٍ.
وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ اسْتِخْرَاجَ الْمِائَةِ اسْمٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَزَادُوا وَنَقَصُوا؛ لِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَقَدْ أَطَالَ فِي الْفَتْحِ بَحْثَ هَذَا الْمَوْضُوعِ فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ صَحِيفَةً مِمَّا لَا غِنَى عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ، وَلَا يَصْلُحُ تَلْخِيصُهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ مَنْ أَفْرَدَهَا بِالتَّأْلِيفِ.
كَمَا أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ أَلَّفَ فِيهَا، وَأَسَاسُ الْبَحْثِ يَدُورُ عَلَى نُقْطَتَيْنِ:
الْأُولَى: تَعْيِينُ الْمِائَةِ اسْمٍ الْمُرَادَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: مَعْنَى أَحْصَاهَا، وَفِي رِوَايَةٍ حَفِظَهَا.
وَقَدْ حَضَرْتُ مَجْلِسًا لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - فِي بَيْتِهِ مَعَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَازٍ وَسَأَلَهُ عَنِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ حَاصِلُ مَا ذَكَرَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَنَّ التَّعْيِينَ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ صَحِيحٌ، وَأَنَّ الْإِحْصَاءَ أَوِ الْحِفْظَ لَا يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْحِفْظِ لِلْأَلْفَاظِ غَيْبًا، وَلَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى أَحْصَى مَعَانِيهَا وَحَفِظَهَا مِنَ التَّحْرِيفِ فِيهَا وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّعْطِيلِ، وَحَاوَلَ التَّخَلُّقَ بِحُسْنِ صِفَاتِهَا كَالْحِلْمِ وَالْعَفْوِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْكَرَمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْحَذَرِ مِنْ مِثْلِ الْجَبَّارِ وَالْقَهَّارِ، وَمُرَاقَبَةِ مِثْلِ: الْحَسِيبِ الرَّقِيبِ، وَكَذَلِكَ التَّعَرُّضُ لِمِثْلِ التَّوَّابِ وَالْغَفُورِ بِالتَّوْبَةِ وَطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَالْهَادِي وَالرَّزَّاقِ بِطَلَبِ الْهِدَايَةِ وَالرِّزْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَادْعُوهُ بِهَا [7 \ 180] أَيْ: اطْلُبُوا مِنْهُ بِأَسْمَائِهِ، فَيُطْلَبُ بِكُلِّ اسْمٍ مَا يَلِيقُ بِهِ تَقُولُ: يَا رَحْمَانُ ارْحَمْنِي، يَا رَزَّاقُ