النَّقْصِ الِاحْتِجَاجَ عَلَى جَانِبِ الزِّيَادَةِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ تَأْنِيبٍ لِجَانِبِ النَّقْصِ، وَفِي الْآيَةِ إِجْمَالُ أَصْحَابِ النَّارِ وَأَصْحَابِ الْجَنَّةِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَلِمَةَ أَصْحَابٍ تَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَهْلُ النَّارِ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ الْمُخْتَصُّونَ بِهِمَا.

وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ هُمُ الْكُفَّارُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [64 \ 10] .

وَالْخُلُودُ لَا خُرُوجَ مَعَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [2 \ 165 - 167] ، وَكَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ «الْهُمَزَةِ» : يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [104 \ 3 - 8] أَيْ: مُغْلَقَةٌ عَلَيْهِمْ.

أَمَّا أَصْحَابُ الْجَنَّةِ فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [46 \ 13 - 14] ، وَقَدْ جَمَعَ الْقِسْمَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [2 \ 81] .

كَمَا جَاءَ مِثْلُ هَذَا السِّيَاقِ كَامِلًا مُتَطَابِقًا فَيُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَمَا قَدَّمْنَا، وَذَلِكَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ قَالَ تَعَالَى: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [9 \ 67 - 68] .

فَهَذِهِ أَقْسَامُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَأَخُصُّ أَصْحَابَ النَّارِ وَالِاخْتِصَاصُ مِنَ الْخُلُودِ فِيهَا وَلَعَنَهُمْ وَهِيَ حَسْبُهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ، وَهُمْ عَيْنُ مَنْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ سُورَةِ «الْحَشْرِ» ثُمَّ جَاءَ مُقَابَلَةً تَمَامًا فِي نَفْسِ السِّيَاقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015